هدى عبدالحميدأخذت قضية العنف الأسري منحًى خطِراً تمثل في ظهور حالات ضرب الزوجات لأزواجهن، فبعد أن كان المجتمع يحاول مواجهة ظاهرة عنف الأزواج تجاه زوجاتهم وأبنائهم، يشهد المجتمع حالياً متغيراً خطِراً كشفت عنه إحصاءات النيابة العامة لعام 2019 أن نسبة الاعتداء على الزوج بلغت 452 حالة، وعلى الرغم من محدودية الحالات التي تم الكشف عنها، فإن هناك حالات اعتداء الزوجة على زوجها بالسب والضرب في البيوت المغلقة ويخشى الرجل إيصالها للقضاء حفاظاً على كرامته كرجل وحرصه على مكانته الاجتماعية وسط زملائه في العمل؛ فبعضهم يشغل مناصب مرموقة، وكون هذه الحالات في زيادة يعد مؤشراً خطِراً على وجود خلل في تركيبة الأسرة واختفى معه أهم ركن في الحياة وهو السكن؛ فالحياة الزوجية مبناها على السكن والمودة والرحمة.وكشفت المحامية فوزية جناحي عن أنها تستقبل العديد من الأزواج الذين يعانون من ممارسة زوجاتهم العنف معهم، مع تنوع أشكال هذا العنف الذي قد يكون عنفاً مادياً بطريق الضرب والاعتداء على سلامة الجسم، وقد يصل إلى الصفع على الوجه في بعض الحالات، وقد يكون عنفاً معنوياً بطريق السب والإهانة.وأشارت جناحي إلى أن أغلب حالات الاعتداء يكون سببها الخلافات المادية أو وجود مشكلات نفسية لدى الزوجة المعتدية بسبب اعتقادها المستمر أن الزوج يخونها مع غيرها، بالرغم من عدم وجود دليل على ذلك، ما يؤدي إلى تكرار الاعتداءات، وفي الوقت نفسه فإن الزوج لا يتمكن من صد الاعتداء خشية اتهامه بالاعتداء على الزوجة.وأضافت: وحدث في إحدى الحالات أن الزوج أمسك بذراع زوجته بقوة حتى يمنعها من تكرار صفعها له على وجهه، فاستغلت الزوجة هذا الموقف وقامت بتحرير محضر اعتداء ضد الزوج استناداً إلى وجود آثار قبضته على ذراعها، وفي حالة أخرى قام الزوج بمنع زوجته من محاولة انتحار، ونجم عن ذلك وجود سحجات على ظهرها وذراعيها نتيجة سحبه لها من الخلف ومنعها من إلقاء نفسها من شرفة المنزل، فما كان من الزوجة إلا أنها حررت ضده محضراً بالاعتداء، وتحول المحضر إلى قضية جنائية صدر فيها الحُكم بالغرامة، ومن ثم تحصلت الزوجة على حكم تطليق للضرر بناءً على هذا الحكم.وقالت جناحي: خلال شهر أكتوبر استقبلت حالتين أحد صاحبي هاتين الحالتين تعرض لكسر في الفك جراء ضرب الزوجة، ولكنه يرفض أن يحرر محضراً ضدها في الشرطة ورفع قضية حفاظاً على صورته ومكانته الاجتماعية ويسعى إلى الوصول إلى حل سلمي مع الزوجة وتم عرض عدة حلول على الزوجة، منها العلاج النفسي أو الطلاق، ولكنها رفضت كافة الحلول ومازالت الجلسات الاستشارية للوصول إلى حل سلمي قائمة مع استمرار حياة زوجية غير آمنة لا يشعر فيها الزوج بوجوده كأب؛ فهو محروم من الخروج بأولاده في زيارة لأهله أو كزوج ورجل للبيت، فلا يحق له طلب أي شيء من الزوجة فوجوده في البيت كقطعة أثاث.وأوضحت أن أغلب المشكلات يرجع إلى الخلافات المادية، وخاصة بعد أن أصبحت الزوجة تعمل وتتحمل جزءاً من مصاريف المنزل، وهذا خلق لديها ضغوطاً تحولت عنفاً، وبعضها يكون نابعاً من الغيرة والشك فيواجهن ذلك عن طريق العنف ويقابل العنف خوف شديد من الزوج متجنباً فيه حتى الدفاع عن نفسه خشية قلب الطاولة عليه واتهامه هو بالعنف.وأكدت جناحي أن امتناع بعض الأزواج عن الإبلاغ عما يتعرضون له من عنف، ليس معناه عدم وجود آلية عقابية للزوجات المعتديات، فالنص القانوني واضح فيما جاء بالمادة 339 من قانون العقوبات، من فرض عقوبة الحبس أو الغرامة على كل من يعتدي على سلامة جسم غيره بأي وسيلة، ولا فرق في هذه العقوبة بين ما إذا كان الاعتداء صادراً من ذكر أو من أنثى.وفي السياق نفسه قالت اختصاصية الطب النفسي وعلاج الإدمان د. عين الحياة جويدة: تابعت حالة وهو م. ك موظف بإحدى الهيئات الحكومية شخص مهذب حنون على أسرته متزوج ولديه طفل وزوجته امرأة عاملة، ولكن وضعها الوظيفي والمادي أفضل منه، ويحرص الزوج على معاملة زوجته بحنان ويلبي احتياجات الأسرة على قدر إمكاناته المادية باذلاً قصارى جهده، ولكن الزوجة كانت متطلعة حادة الطباع وكلما حاول تقليل الفجوة ازدادت عنفاً في المعاملة، وتطور الأمر منها للإساءة اللفظية ومحاولة حرمانه من طفله للضغط عليه، وهو شخص مسالم كأشخاص كثيرين نراهم يعانون من تحدي الزوجة وجبروتها يتعرض للعديد من أشكال العنف المتمثلة في "إهانات، وحرمان من أطفاله وتصل إلى الإصابات الجسدية".وأشارت إلى أن المجتمع كان يشهد معاناة الزوجات من العنف الزوجي إنما ما نراه الآن هو سلوك غير متعارف عليه، أما أن تصل الحالات مؤخراً بحسب إحصاءات النيابة العامة إلى ما يقرب من 500 حالة من الرجال الذين يعانون من العنف الأسري من الزوجات سواء بالقول أو بالفعل فهو من الاضطرابات السلوكية التي أصيب بها المجتمع مؤخراً والذي يؤدي إلى اختلال الميزان الأسري فتسقط هيبة الرجل ونقدم مثالاً سيئاً للأجيال القادمة.وأضافت: "نشهد أمامنا إحباطات وأمراضاً نفسية تصل إلى القتل أو الانتحار بسبب الضغط العصبى والنفسي والإحساس بالمهانة، وهذا يتطلب دراسة نفسية واجتماعية ووضع آليات للتواصل مع الأسر التي تعاني من مشكلات، وإعادة قيمة التقارب الأسري وتوزيع الأدوار على الزوج والزوجة، وألا يكون الوضع المادي مدعاة لسلوكات خارجة عن التربية والدين؛ فكل الأديان تدعو للاحترام المتبادل بين الزوجين وتعزيز دور الأب واحترامه فالزواج سكن وسكينة بدون إيذاء نفسي أو بدني.وأكدت أن للأسرة قيمة عظيمة؛ فهي وحدة بناء المجتمع ولها دور مهم في بناء الأبناء فبداخلها يتم إعداد شخصياتهم وصقل مواهبهم، والجو الأسري الذي يعيشه الفرد يؤثر على التطور النفسي والعاطفي للأطفال، ولكن من أسوأ الأجواء الأسرية التي يمكن للفرد أن يعيشها الجو الأسري المليء بالعنف، حيث يجعله ينمو نفسياً وجسدياً بطريقة غير سوية وفي حالة الأم التي تعنف الأب، إما من خلال ضربه أو من خلال إجباره على تنفيذ أمور؛ لأنها تتحكم بالأسرة، سيتسبب في كره الطفل لكلاهما وغياب القدوة والمثل الأعلى، وسيكون هذا الطفل غير متوازن نفسياً ويؤثر على علاقته بالمجتمع، وردود فعله يمكن أن تكون عنيفة جداً، أو سلبية جداً وهذا قد يعرضه للعنف والتنمر وربما يعرضه للاعتداء الجنسي.وأكدت الدكتورة عين الحياة أن الوقاية دائماً خير من العلاج فيجب أن يحرص المقبلون على الزواج على دخول دورات تدريبية حول "الزواج" حيث سيكون لها أثر إيجابي يسهم في التقليل من المشكلات الأسرية، والحد من ظاهرة الطلاق وحالات العنف الأسري المؤدية إلى تشتت الأسرة، وخاصة أن الزواج يعد نقلة نوعية في حياة المرأة والرجل لتكوين أسرة، يجب ألا تبدأ بدون أخذ فكرة كافيةعن كيفية التعامل مع شريك الحياة، وذلك لفهم معنى الحياة الزوجية والممارسات الضرورية لنجاح هذا الزواج، ومعرفة كيفية تذليل العقبات والمشكلات التي قد تواجه الشريكين في أثناء الحياة الزوجية.