لطالما عرف الاقتصاد بالإدارة المثلى والموزونة للموارد المتاحة لإنتاج أكبر قدر من السلع أو الخدمات وتحقيق أكبر قدر من العوائد. هكذا فكرت دولنا وشركاتنا وحتى مؤسساتنا الأهلية وجمعياتنا الخيرية في كثير من الأحيان وهي الفكرة السائدة عالمياً أيضاً.

ومن هنا فإن القدر الذي حظي به الإنسان في أوطاننا يتوازن مع ما حظيت به الأبنية والبنى التحتية والموارد الطبيعية وعناصر الاقتصاد الأخرى.

لكن نزعة الاهتمام بالحجر والعمران والابنية ربما طغت أحيانا لأنها استثمار محسوس سريع الأثر، بخلاف الإنسان الذي ظل نصيبه محدوداً متواضعاً قياساً بالموارد الأخرى لأن أثره رغم تعاظمه وأهميته بطيء ويحتاج إلى وقت طويل.

ينقل عن الحكيم الصيني كيواه تزو أنه قال "إذا كنت تخطط لعام فاغرس بذرة، وإذا كنت تخطط لعشرة أعوام فازرع شجرة، وإذا كنت تخطط لمائة عام فعلّم إنساناً، لأنك عندما تزرع بذرة واحدة فإنك تحصد محصولاً واحداً، وعندما تعلّم الناس تحصد مائة محصول.

وقد روي عن سهل بن سعد أن النبي الأكرم (ص) قال مخاطباً الإمام علي كرم الله وجهه: "فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم".

وقد أثبتت جائحة كورونا (كوفيد 19) أن الإنسان ليس أحد الموارد وحسب، بل يشكل جوهر الموارد جميعها وركنها الأساسي فمن دونه لا قيمة لجميع الموارد الأخرى وبقدراته الهائلة يستطيع معالجة كل عجز في أي مورد من الموارد، فمملكة البحرين ومختلف الدول التي تمتلك طواقم طبية مؤهلة وعلى كفاءة عالية استطاعات أن تواجه الجائحة بنجاح أكبر بكثير من تلك الدول التي تتدنى فيها مستويات كوادرها الطبية أو أعدادها وإن توفرت على الأموال أو المباني الضخمة والأبراج العظيمة.

ومن هنا فإنني أدعو المؤسسات الأهلية والجمعيات الخيرية للمزيد من تصويب البوصلة نحو الإنسان تعليما وتدريبا وتوجيها وتوعية، ورفع موازناتها المخصصة لدعم التعليم بجناحيه المدرسي والجامعي، فنحن لا ندرك جميع ما هو قادم من فرص وتحديات وصعوبات وأزمات، لكننا ندرك جيداً أن أفضل وسيلة لمواجهة تحديات المستقبل أن نبذل أموالنا وطاقاتنا من أجل الانسان، فهو خير استثمار وأهم محفظة نستودع فيها الأموال.

حسين الصباغ