يؤدي صمت الآباء والأمهات إزاء خلافات أبنائهم إلى تطورها والتنافر والعداوات، وعلى الآباء أن يحرصوا على حلها بعدل وموضوعية وحكمة، تلزمهم الحق عن رضا وطواعية، وهذا يتطلب قدرة الأب على ترويض النفس على استخدام آليات ومتطلبات العدل والتحكيم بالعلم والاطلاع ومهارات التواصل والاستماع وإشعارهم بالتساوي، وتحييد التصورات والمعرفة المسبقة، ومناقشة أدلتهم، واستنطاقهم ليقولوا الحق، ويعترفوا بالزلل، وأن يؤدوا الحقوق ويتسامحوا ويتصافوا؛ لأن في ذلك تقوية لبنية الأسرة، وصيانتها بالاحتكام إلى الشرع ، وإكسابهم مهارات الحوار والمحاججة ومواجهة الخصم بالحسنى، والإذعان للحق والقبول بالمنطق، والسلوك المتزن، وبذلك تتقوى الأسرة وتتعمق المحبة وتصان الروابط والرحم، ويزداد التواد والمحبة والسكينة والقبول، ومن الأمثلة القرآنية على إدارة الخصومات بين الأبناء ما جاء على لسان يعقوب -عليه السلام- لمّا جاء إليه أبناؤه يطلبون يوسف -عليه السلام- للعب معهم يقول تعالى : "وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون".فلم يفصح لهم عن مخاوفه منهم على أخيهم، رغم أنه يعلم بغضهم له، فلما عادوا إليه بعد أن ألقوه في البئر، وقد وضعوا على قميصه دماءً كاذبة، وادعوا أن الذئب أكله، وتيقنه أن ذلك لم يحصل، بالنظر إلى القميص غير الممزق نتيجة افتراس الذئب له قال في نفسه دون أن يصارحهم متمهلاً : "بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون" فلم يحاكمهم بعلمه المسبق.وينبغي ألا يفتتن الأب بالولد الكبير المهيب عن حق الصغير الغض، أو الصغير المدلل عن الكبير المغبون، أو الابن الفصيح عن مرتجف اللسان، وربما حكم بعض الآباء بالنظر إلى مواقفهم من زوجاتهم وأوضاعهم المعيشية أو مدى طاعة أبنائهم لهم لا بالنظر إلى القضية المنظوره والحق الذي ينشده صاحبه. وقد تأملت في بعض الأسر الممتده التي اعتراها التدابر والتقاطع والهجران فوجدت أن ظلم الآباء وانحيازهم من الأسباب التي أدت إلى تعمق المعضلات وتدمير مؤسسة المجتمع وثغره الحصين.وإذا كان ابن خلدون قد جعل من العدل أساساً للملك والظلم مؤذن بخرابه، فإن عدل الآباء أساس القوامة في الأسرة، مثلما الظلم نذير الفناء والاضمحلال، ويشكل جناية تربوية على مستقبل الأبناء ومجتمعهم ودورهم الاجتماعي وممارساتهم مستقبلاً. ومن هنا يحتاج الأب إلى التدرب على ممارسة كفاية فض المنازعات وهذا يستلزم معرفة كافية من القرآن الكريم والسنة النبوية وبعض كتب الأدب والشعر والقصص التي تتضمن العبر والتشويق وترتبط بالموضوع وعدم إهمال دور القصة في تجاوز مشكلات الأطفال، وكذلك الاطلاع على الكتب التربوية وعلم النفس، وأيضاً التدرب على المهارات الحياتية كالحوار والتواصل والذكاءات المتعددة وخاصة العاطفي والاجتماعي، وكذلك وقبل كل شيء القدوة الحسنة . وما أحوجنا في هذه الأيام لمثل هذه المعاني! وخاصة مع طول وجودنا في البيوت مع أبنائنا بسبب ظروف الحجر والبعد عن المدارس والتعليم وتعليم القيم على وجه الخصوص وكثرة الاحتكاك بينهم والخلاف وتعدد أسبابه لإدارته بطريقة تربوية تسهم في تحقيق توازنهم النفسي وتكسبهم مهارات المستقبل وتمكنهم من أدوات الرقي والبقاء والمنافسة النوعية والكفاءة العملية.