هدى عبدالحميد

قالت الأستاذ المساعد بقسم التصميم الداخلي بالجامعة الأهلية الدكتورة مي جلال الصفار لـ"الوطن" إنه آن الأوان لتصميم مدن ومبانٍ صحية مستدامة قادرة على مواجهة الأوبئة، وخاصة أن تكلفتها لا تزيد عن تكلفة البناء بالطرق التقليدية الحالية سوى بنسبة من 1إلى 2% إذا رغب الشخص في الحصول على شهادة المباني الخضراء LEED .

وقالت الصفار: "جاءت جائحة كورونا ليختبئ البشر داخل منازلهم، وتنحصر الرؤية داخل الجدران، وأصبح الخارج فضاءً مهجوراً، فلم تكن مدننا الحديثة في دول مجلس التعاون الخليجي، والعالم بأسره مصممة للتكيف مع مثل هذا الوباء، فلقد اهتم العالم بالتصاميم المعمارية الفريدة التي تجذب الملايين للعمل والسياحة واحتضنت هذه المدن المراكز العالمية، وازدحمت الشوارع والمراكز التجارية بالحشود دون أن يخاف من انتقال عدوى أو انتشار فيروس قبل ظهور «كوفيد 19».

وأضافت في حديثها لـ "الوطن": لقد أصبح العالم يتمنى العودة إلى الماضي «النوستالجيا»، فقد شهد القرن الحادي والعشرين انتشار ستة أوبئة أولها متلازمة الإلتهاب التنفسي الحاد «سارس»، وآخرها وباء كورونا المستجد.

آثار جانبية وخيمة

ولفتت الصفار إلى أنه "كان لانتشار هذه الأوبئة آثار جانبية وخيمة دفعت ذوي الاختصاص في مجالات الطب والهندسة والاقتصاد والسياسة لإعادة التفكير في أشكال الحياة الحالية، فعلى الصعيد الطبي كتب الدكتورالبحريني مناف القحطاني في تغريدات عبر "تويتر" عن بعض الدروس المستفادة من جائحة كورونا وأهمها ضرورة تصميم مدن ومبانٍ صحية مستدامة قادرة على مواجهة الأوبئة، وعلى الصعيد الهندسي أصدرت الجمعية الأمريكية لمهندسي التدفئة والتبريد «ASHRAE» بعض الإرشادات الاستباقية الخاصة بكيفية صيانة أنظمة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء للمساعدة في التغلب على الخوف من انتشار فيروس كورونا، وعلى الصعيد الاقتصادي أشار الرئيس الأمريكي جو بايدن في تغريدة له عبر «تويتر» إلى أن العالم اليوم يواجه أربع أزمات تاريخية في آن واحد تتلخص في أزمة كورونا والكساد الاقتصادي والتغير المناخي والعدالة العرقية.

وتطرقت الصفار إلى أن صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى أكد أن ما يمس أي مواطن ومقيم يمس الوطن بأكمله، ما عزز الجهود الوطنية لفريق البحرين وإسهامه في تقديم مختلف أوجه الدعم للمبادرات الرامية للتصدي للفيروس.

وأضافت: "انطلاقاً من هذه المبادرات وعطفاً على التغيرات التي طرأت على مناحي الحياة في ظل انتشار الأوبئة أصبح من الضروري إعادة تقييم المدن وبالأخص المساكن التي تشغل حوالي 60% من المساحات المبنية؛ فاليوم نقضي حوالي 80% من الوقت في المنزل الذي أصبح مكاناً للعمل والتعليم، وفضاءً لتمضية الوقت والتسلية. وتجربة مملكتنا خير مثال على ذلك في ظل الجائحة، فطلب العلم من المنزل أصبح مساراً إجبارياً، وخصوصاً أن الأغلبية يعملون داخل منازلهم، فالمختصر نحن نقضي أوقاتاً أطول في المنزل، إضافة إلى تحديات التغير المناخي التي تطرق الأبواب بقوة، وخصوصاً أن المباني السكنية مسؤولة عن استهلاك حوالي 50% من مصادر الطاقة في العالم. أما التهوية والتكييف المنزلي فحوالي 71% من الطاقة الإجمالية للمسكن، وخصوصاً في المناطق التي تمتاز بالمناخ الصحراوي الحار كمناخ البحرين.

وذكرت د. الصفار: "قد نتج عن هذا الوضع الطبيعي الجديد احتياجات ومتطلبات فريدة في مساحاتنا الشخصية والعملية التي ستغير وتؤثر على بنية المبنى وخاصة التصميم الداخلي والتخطيط المكاني وسبل التهوية لمنع انتشار الفيروس داخل الأسرة".

فهم انتشار الفيروس

من المفيد أيضاً لفهم انتشار فيروس كورونا مراجعة الدراسات حول فيروسات ممثالة، تزامناً مع وباء المتلازمة التنفسية الحادة (سارس) عام 2003، استنتجت وكالات الصحة العالمية وبعض الباحثين أن الالتهابات التنفسية تنتشر بشكل أساسي عن طريق التعرض المباشر للرذاذ من مسافة قريبة أو ما تبقى منه على الأسطح.

وأوضحت أن الدراسات أثبتت أن الفيروس المعدي يعيش خارج جسم الإنسان على مواد مثل المعادن والزجاج والبلاستيك ساعات، واستنتج باحثون آخرون أن المرض ينتشر عن طريق النقل الجوي، وتحديداً عن طريق أجهزة التكييف والتهوية الميكانيكية نتيحة الحركة الدورانية للهواء الخارج من هذه الأجهزة.

مدى فاعلية التكنولوجيا

وقالت د. الصفار: "من هنا ظهرت أهمية دراسة مدى فاعلية التكنولوجيا الحالية ومساهمتها في التقليل من انتقال الفيروسات في المستقبل، وضرورة تفعيل تقنيات جديدة من التنقية للحد من انتقال الملوثات الهوائية بشكل عام والفيروسات والميكروبات بشكل خاص".

أسطح صحية

وأكدت احتياج الناس إلى إعادة التقييم وإجراء التغييرات اللازمة على مساحات وظروف المعيشة والاستخدام المكاني، وإلقاء نظرة أكثر تعمقاً على مواد البناء المستخدمة؛ لأن هذا الفيروس يتراكم على الأسطح ويستمر عدة أيام.

وأضافت: "ففي أساليب البناء والتصميمات الحالية، نستخدم أنواعاً متعددة من الأسطح المسامية وغير المسامية، فالأسطح المسامية عبارة عن مواد بها ثقوب أكثر وتسمح بتدفق السوائل من خلالها، حيث إن التركيب الجزيئي لهذه الأسطح سيمكنها من الحصول على مساحة أكبر للامتصاص وتدفق الهواء. وبعض الأمثلة على الأسطح المسامية التي نستخدمها بشكل شائع اليوم هي الجدران الجافة والسجاد وورق الحائط والسقوف الصوتية والبلاط والطوب وغير ذلك، وقد أصبحت هذه الأسطح تشكل تهديداً لأن تركيبها الجزيئي يجعلها تؤوي البكتيريا والفيروسات، أما الأسطح غير المسامية فأكثر كثافة ولا تسمح بامتصاص السوائل أو الهواء، على سبيل المثال بلاط السيراميك، والأحواض المعدنية، والزجاج، والخزائن المعدنية، ومقابض الأبواب، وتعتبر هذه المواد خياراً صحياً في أيامنا هذه نظراً إلى قدرتها على عدم ترك الأوساخ والجراثيم تتراكم عليها. ومن ثم فإن اختيار المواد المناسبة والاستخدام المناسب للموارد الطبيعية سيساعد في الحفاظ على اللمسات الجمالية، بينما يساعدنا في عيش حياة صحية مع بيئة منزلية أكثر صحة، ويبقى فيروس كورونا على أسطح السيراميك، والمعادن، والزجاج، والخشب، والورق، والبلاستيك، والفولاذ المقاوم للصدأ، والكرتون، والألمنيوم، والنحاس.

تهوية صحية

وأكدت د. الصفار: "جائحة فيروس كورونا الحالية تمثل تحدياً جديداً لخدمات التكييف والتهوية إلى جانب تحدي تغير المناخ الذي يواجه البشرية. كل هذه التحديات تفرض على الباحثين الإجابة عن سؤال محوري: كيف يمكن أن نؤمن تهوية أكثر صحة وأقل استهلاكاً للطاقة؟ لذلك من المهم دراسة مدى فاعلية تكنولوجيا التكييف الحالية ومساهمتها في التقليل من انتقال الفيروسات في المستقبل، وكذلك التقليل من استهلاك الطاقة؛ فقد أوصت الجمعية الأمريكية لمهندسي التدفئة والتبريد وتكييف الهواء ASHRAE بضرورة توفير سبل التهوية الطبيعية، وترشيح الهواء أو ما يسمى بالفلترة الهوائية، والمحافظة على النظافة الميكانيكية، وكذلك ضرورة استخدام أجهزة التهوية الفردية في كل منزل، التي تهدف إلى الحد من انتشار فيروس كورونا، والاستغناء عن الأجهزة المركزية، رغم اقتصادية الأخيرة من ناحية استهلاك الطاقة".

وقالت أيضا: "لا بد من تفادي عيوب التصميم التي تؤدي إلى الإصابة بالأمراض، مثل انعدام منافذ التهوية الطبيعية في المنازل الذي يؤدي إلى إعادة تدوير مسببات الأمراض في الهواء عبر أنظمة تكييف الهواء، وكذلك ضرورة تفعيل تقنيات جديدة كأجهزة تنظيف الهواء وتطهيره للحد من انتقال الملوثات وتقليل مخاطر المخاوف الصحية في الفضاءات الداخلية، وأخيراً المحافظة على التباعد الاجتماعي وتقليل عدد الأفراد المستخدمين للمكان ذاته".