أيمن شكل

بعد أن تخفت حركة أقدام البشر في المنامة عند منتصف الليل، تبدأ أقدام أخرى صغيرة تتحرك على حذر وبسرعة للبحث عن طعام لها، ولا يكاد قاطنو المنامة يرونها، إلا من سهر الليالي منهم، لكن تبقى آثارها ظاهرة ومسببة مشكلة صحية وسكنية للمدينة القديمة.

إنها الفئران التي أصبحت تنافس سكان المنامة على الإقامة في بيوتهم وتشاركهم شوارعهم، ولا يوجد تحرك فعلي للحد من المشكلة التي تعددت أسبابها، حيث تأتي النظافة والصحة العامة، والاشتراطات الصحية للمطاعم والمحلات في المنامة، على رأس تلك الأسباب، فعلى الرغم من الالتزام "الظاهري" بالاشتراطات الصحية، فإن ظهور الفئران في الليل يؤكد أنها وجدت في ثنايا الجدران وتحت الأرض موئلاً مناسباً لها لتتكاثر وتطفو على سطح المدينة.

وكعادة أصحاب المطاعم، يؤكدون أنهم ملتزمون بالضوابط الصحية والنظافة، ويقول صاحب مطعم في القضيبية، "رفض الإفصاح عن اسمه" إنه ملتزم بالنظافة المستمرة للمطعم لأنها السمعة التي يعتمد عليها في رواج تجارته، مؤكداً أنه يقوم بين كل فترة وأخرى بالتعامل مع شركات مكافحة الحشرات المتخصصة، لكي تخلصه من دخلاء لا يستطيع التحكم فيهم سواء الفئران أو الحشرات الأخرى.

لكن ياسر أبوالنجا "مقيم في نفس المنطقة" يؤكد أن الفئران باتت رفيقة طريقه، حيث يعمل في المساء ويعود إلى منزله بعد الساعة الثانية صباحاً، وعندها يرى الفئران تجري من بين قدميه حتى إنه اعتاد عليها بعد أن كان يخاف منها ويعتبرها ضمن جيرانه في المنطقة.

النائب عمار البناي أقر بوجود المشكلة ووصفها بالكبيرة فعلاً، وألقى بالمسؤولية على "الصحة العامة" لكنه قال: نتصل بهم بين فترة وأخرى ويأتون فعلاً ويقومون بمكافحة الفئران والحشرات، ولا يقصرون، لكن المشكلة تكمن في بعض المنازل المهجورة وسكن العمال.

وأوضح البناي أن الجهات المسؤولة عن المكافحة لا تملك السلطة القانونية للدخول إلى البيوت المهجورة التي ليس لها صاحب، ولو فرضنا أنه تم البحث عن أصحابها، فستجد أن نسبة غير بسيطة منها بيوت وقف أو عليها نزاع في الميراث، وفي بعض البيوت يترك أصحابها أرقام هواتف للاتصال بهم، لكن معظم تلك الأرقام ملغاة وقديمة، وأضاف: وصلنا لاجتهادات شخصية من بعض أهالي المنطقة الذين تمكن بعضهم من الحصول على رقم الاتصال لصاحب البناية وترتيب موعد مع إدارة الصحة الذين يبادرون بالاستجابة واتخاذ اللازم.

وأوضح أن المشكلة تظهر بوضوح في مناطق أم الحصم والعدلية ومجمع 388، لكنه أشار إلى مسؤولية القطاع الخاص وبعض الأنشطة التي لا تدخل ضمن نطاق وزارة الصحة وإدارة الصحة العامة، والتي تؤثر أيضاً في تزايد الحشرات والقوارض، وقال إن بعض المنشآت القديمة تضم مؤسسات لا تعطي اهتماماً بالظاهرة رغم أنها سبب رئيس في تفشيها، كما أن سكن العمال لبعض المؤسسات يكون عادة أحد مراكز تنشئة هذه القوارض لعدم اهتمام صاحب العمل بنظافة مسكن عمالته، ولا تقع تلك المساكن ضمن صلاحيات الصحة العامة، وطالب البناي بتفعيل التفتيش وتحرير مخالفات لتلك المباني وأن يكون لوزارة الصحة دور في تطبيق القانون.

وأضاف: "لا نرى مخالفات بشأن سكن غير صحي أو وجود مخلفات والمفترض أن يكون لقسم التفتيش بوزارة الصحة دور أكبر".

وتعتبر الدائرة الرابعة في محافظة العاصمة من أكبر المناطق التي تظهر فيها المشكلة بوضوح؛ وذلك لكونها تحتضن السوق المركزي، وفي هذا السياق قالت النائب سوسن كمال عضو مجلس النواب إنها تلقت شكاوى من المواطنين حول منازل مهجورة وتوجد فيها القوارض والفئران، وتم التواصل مع أمانة العاصمة ووزارة الصحة لمعالجة الوضع في تلك المنازل.

وحول أسباب الظاهرة في الدائرة الثانية بمحافظة العاصمة، أكدت تقوي أن السبب يتمثل في وجود المطاعم بين الأحياء السكنية، وانتشار الباعة الجائلين في الشوارع الضيقة والداخلية بعيداً عن الرقابة، ورمي المخلفات من الخضار والفاكهة، وقالت: "لوحظ كذلك عدم تغطية الحاويات المخصصة للمخلفات، ما ساهم في نمو الظاهرة، لكننا سنعمل جاهدين بالتعاون مع وزارة الصحة وأمانة العاصمة للتغلب على هذه الظاهرة، بتعاون المجتمع والوعي بقضايا الصحة والنظافة".

من جانبها ردت إدارة الصحة العامة بوزارة الصحة مؤكدة أن قسم صحة البيئة يضع الخطط للقضاء على القوارض ومكافحتها والمساعدة على التخلص منها، وخاصة في الأحياء السكنية والمناطق المأهولة، وقالت إن دور قسم مراقبة الأغذية يتمثل في التفتيش على المطاعم والمنشآت الغذائية للتأكد من تقيدها بالاشتراطات والضوابط الصحية وخلوها من القوارض والحشرات، وفي حال اكتشاف أي محل موبوء بالقوارض أو الحشرات يتم وقف العمل فيه بشكل فوري ويطلب منه مكافحة ذلك بشكل عاجل وسد الفتحات التي تؤدي إلى دخولها للمحل، كما يتم التنسيق والتعاون المشترك بين أقسام إدارة الصحة العامة حول البلاغات والشكاوى الواردة وذلك للقضاء على القوارض والحشرات بالطرق السليمة والصحيحة.

ونوهت الصحة العامة إلى أن عدة جهات تشترك في مكافحة هذه الظاهرة، وهي المجلس البلدي ووزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني، مؤكدة أن الجميع يحرص على إيجاد حلول دائمة للأمور غير الصحية التي تهدد سلامة الأفراد والممتلكات.