يقودني الحديث عن دق القمح في المنحاز، والمنحاز عبارة عن قطعة من جذع شجرة ضخمة محفورة من الداخل على شكل وعاء، ولكل منحاز مدق مصنوع من الخشب القوي، بطول ثلاثة أقدام أو أكثر قليلاً، ومقدمتهُ أكثر سمكاً من ذراعهِ، ودق الحب يقوم بهِ رجال يتميزون بالقوة ونساء أيضاً، وعادة الرجال يعملون خارج البيت، أما النساء فيمارسن هذه العملية في حوش البيت، وتنشط هذه الحرفة من أوائل شعبان لتهيئة حب الهريس، ومن بعد الانتهاء من دق الكمية المتفق عليها من القمح، يدفع رب الأسرة الأجر إلى العمال غير منقوص، سواء للرجال أو النساء.

هذا بالنسبة إلى الأسر الغنية ونواخذة الغوص وكبار القوم والتجار، والمذكورون لا يطبخون الهريس لأسرهم فقط، لكنهم يحسبون حساباً لما سيوزعونهُ على الأهل والجيران، بالإضافة إلى أنواع أخرى من أكلات رمضان مثل الثريد واللقيمات وغير ذلك، صلة للأرحام وكسب ود الجيران، والدعاء لهم بالبركة، وفي شهر رمضان الكل يهدي للكل، فلا تعرف الفرق بين الغني والكادح، وللهريس صحن خاص يسمى «الكاب» وأشهرهُ الكاب بو أسد، صناعة صينية.