أميرة صليبيخ

مهما ساءت بك ظروف الحياة فلن تكون أسوأ من شارلوت برونتي! فقط تخيل أن تتوفى أمك.. تتبعها اثنتان من أخواتك.. فتعيش محروماً من حنان الأم وأنت في سن الطفولة.. لا تعرف من الدنيا سوى قسوة والدك المتعصب دينياً.. ففي الليل يملأ رأسك بمحاضرات عن عذاب الآخرة والنار وكراهية حب الدنيا، وفي النهار تتعرض للاضطهاد والتعنيف والتوبيخ في المدرسة البائسة والرخيصة التي اختارها لك والدك، كما أنه من غير المسموح لك الخروج من المنزل ومخالطة الآخرين أو تكوين صداقات، وإمعاناً في البؤس فإن ما حولك في قريتك المعزولة جغرافياً هو مقابر، ولهذا السبب بالذات تم اختيار المنزل! ثم ستشهد موت بقية إخوتك الثلاثة في أشهر قليلة متقاربة، وأخيراً تتنتهي حياتك المأساوية قبل أن تعرف حجم النجاح الذي ستحققه لاحقاً!! حقاً إنها حياة مفرطة في التعاسة وعزلة إجبارية دائمة، لا سبيل إلى النجاة منها سوى بالخيال والأحلام والكتابة.

وشارلوت برونتي لمن لا يعرفها هي روائية وشاعرة إنجليزية ولدت عام 1816، وعرفت بروايتها الشهيرة (جين أير) التي تحولت إلى مسلسلات وأفلام لا تزال تعرض حتى اليوم، وهي الأخت الكبرى بين الأخوات برونتي الثلاث اللواتي تعتبر رواياتهن من أساسيات الأدب الإنجليزي ومن أهم الروايات العالمية الخالدة على الرغم من مرور أكثر من 170 عاماً على إصداراتهن، فأختها إيميلي برونتي كتبت روايتها الوحيدة والشهيرة "مرتفعات وذرنغ"، وآن برونتي -وهي أقلهن شهرة- ألفّت (أغنيس غراي) و(نزيل قلعة ويلدفين).

كانت الأخوات برونتي يلجأن إلى ابتكار القصص بالاعتماد على الخيال لكل ما تقع عليه أيديهن من لعب، فعند حصول أخيهن على لعبة مكونة من 12 جندياً اختلقن قصصاً عن ممالك ومعارك كثيرة بكافة تفاصيلها الدقيقة بالاستناد إلى الخيال، وتلك كانت حيلتهن الذهنية التي ساعدتهن على تجاوز الحياة في منزل أشبه بالسجن. الأخوات برونتي أدركن أن الخيال والكتابة هما المنقذ، وقد حاولن الانتصار على واقعهن المرير من خلال الكتابة التي تشغل العقل عن مصائب الحياة، وإلا كنّ سيتعرضن للاكتئاب أو الإدمان كما تعرض له أخوهن الذي عاش مدمناً وحاول الانتحار حرقاً.

إن المحنة التي يشهدها العالم الآن تحتّم علينا عزلة مؤقتة من أجل السلامة، وهي ليست دائمة بالطبع مثل حياة الأخوات برونتي، ولكن مهما اختلفت الأزمان والظروف يبقى الذكي هو من يستطيع تحويل واقعه إلى قصة نجاح يخلدها الوقت، وكما تقول شارلوت برونتي: "لقد منحنا الله إلى حدٍ ما القدرة على صنع قدرنا بأنفسنا".

فهل مازلت تتذمر من ظروفك؟!