وصلتني رسالة من إحدى زميلات الصفوف الأمامية تقول: "كنت تتكلمين في إحدى دوراتك عن الاحتراق الوظيفي، يا ريت تكتبي على حسابك في الإنستغرام أن الكوادر الطبية في الصفوف الأمامية أصبحت تعاني من هذا الشعور بالاحتراق".

لن أسمي ما ذكرته زميلتي بالاحتراق الوظيفي، بل ما تشعر به وما يشعر به هذا الطاقم المنهك هو الاحتراق النفسي، لن أفصل كثيراً في وصف الشعور بالاحتراق لأنه واضح وواقع يعيشه الجميع، وخصوصاً من يعمل في تلك الصفوف الدفاعية والعلاجية، ومن يبذل أقصى ما لديه من طاقة على أمل إنقاذ الأنفس والتي قد يفقد بعضها رغم كل الجهود، ما يستصرخ إنسانية مقدم الرعاية الصحية ويحرقه نفسياً ويشعره بالعجز التام، ويجعل من انتقاله لتقديم العون لحالة أخرى أمراً صعباً جداً دون مروره بحالة من الفصل الذهني وإعادة شحن الطاقة لمواصلة العطاء.

ولتوضيح مفهوم الاحتراق النفسي المرضي بحسب منظمة الصحة العالمية يعرف هذا المصطلح على أنه متلازمة ناتجة من الضغط الدائم في مكان العمل وتشتمل علاماته المبكرة على الإرهاق والتعب الدائم. زيادة المجازفات، والغضب والنقد الذاتي، وازدياد الشك وحالة من عدم اليقين، يصاحبها الشعور بعدم القدرة على تقديم المساعدة، وزيادة العصبية والسلبية وقد تصل إلى درجة التهكّم. هي الشعور بأنك محاصر من كثرة المتطلبات، وأكاد أجزم أن معظم أفراد الطواقم الصحية والطبية هي بالفعل تحت وطأة هذا الاحتراق النفسي وكذلك الأمر بالنسبة إلى باقي المسؤولين وأصحاب القرار في هذه المرحلة الحرجة من جائحة كورونا.

بالطبع سيكون الوضع المثالي للسيطرة على هذا الاحتراق هو توفير الأطباء والمختصين النفسيين جنباً إلى جنب الطاقم الصحي، وذلك لتقديم الدعم النفسي لزملائهم وتخفيف شعورهم بالاستنزاف واستعمال منهجياتهم التخصصية في بث الراحة النفسية وتطبيق منهجيات التكيف النفسي، ومحاولة احتواء الشعور بالتعب والإحباط. ولكن في حالة تعذر ذلك، فإنني أقترح بعض الإستراتيجيات السريعة التي آمل أن يتدارسها أصحاب القرار في النظام الصحي، وخصوصاً سعادة وزيرة الصحة، والطاقم المساند لسعادتها، باعتبارها تجربة عملية يمكن وضعها موضع الدراسة وتتبع تأثيرها على أداء أفراد الطاقم الصحي والطبي. أعتقد أن الموضوع جدير بالتجربة، وقد تضعنا هذه التجربة الحيوية في مقدمة دول كثيرة ربما لم تضعها في الحسبان، وربما يمكن البدء بعينة تجريبية في مستشفى ميداني أو وحدة طبية أو في وحدة العناية المركزة، وإنني على يقين من نجاح التجربة.

يتلخص المقترح في تزويد غرف راحة الطاقم الصحي بتلفزيونات أو شاشات عرض كبيرة (يمكن التبرع بها من قبل القطاع الخاص) تعرض من خلالها مناظر طبيعية لبلدان العالم يشاهدها الأطباء والممرضون في أثناء تناول القهوة مدة لا تتعدى عشر دقائق؛ وذلك لإحداث تشتيت ذهني إيجابي لفصل التفكير عن بيئة المستشفى إلى الطبيعة. كذلك حث وتشجيع الطاقم على عدم الحديث عن أي حالات تمت معاينتها والاكتفاء بالصمت والتأمل. يمكن أيضاً زيادة فاعلية تلك الدقائق العشر، بتشجيع أفراد الطاقم على ممارسة التنفس العميق، وتمارين الاسترخاء السريعة، وفي حالة الاستراحة السريعة يمكن أيضاً ترتيب جلسات سريعة جداً باتباع منهجية التخيل الموجه أو أساليب النقل العقلي التخيلي الذي يتيح فسحة للعقل البشري للراحة وكما أسميها في العادة، فسحة إقفال الملفات المزعجة أو المفتوحة والتي تجهد التفكير.

ربما يقول البعض منا، فترة عشر الدقائق غير كافيةـ وربما يقول آخرون، ليس لدى الطاقم الصحي والطبي فترة عشر دقائق للراحة في ظل الجائحة.

لا تستصغروا تلك الدقائق؛ لأنها بحسب الدراسات النفسية حاسمة ومؤثرة وقد تكون نقطة فارقة بين الموت والحياة.