اميرة صليبيخ

عدد قليل جداً من أدباء الأرجنتين الذين حظوا بفرصة انضمام مؤلفاتهم للمكتبة العربية، ولعل أشهرهم خورخي لويس بورخيس وألبرتو مانغويل، ولولا رحمة المترجمين بنا لما عرفهم القارئ العربي قط، وهو ما يعكس الفجوة الكبيرة في محاولات اللحاق بركب الثقافة العالمية.

وقد تعرفت عن طريق صديق عزيز على روائي أرجنتيني جديد وهو آرنستو ساباتو وذلك من خلال كتابه «الكاتب وأشباحه»، وساباتو هو واحد من كبار أدباء وعلماء وفناني أمريكا اللاتينية، والمثير في حياته أنه كان فيزيائياً مولعاً بالعلوم الذرية ودرّس الفيزياء والهندسة وميكانيكا الكم في الجامعات، وكان محباً للاطلاع واسع الإدراك، مهتماً بالفلسفة والرياضيات والرسم، وكان أيضاً مفكراً سياسياً، تبوأ منصب مدير لليونسكو، كما عمل في وزارة الشؤون الخارجية. وبعد عمر حافل في أروقة العلم قرر وهو في الخمسينيات من عمره هجر مجاله الأساسي لصالح شغفه المتنامي بالأدب والكتابة.

ترجمت له 3 أعمال أدبية إلى العربية، هي: «النفق»، و«أبطال وقبور»، و«ملاك الجحيم»، وحصد جوائز أدبية رفيعة، منها جائزة «سرفانتس» التي تعد أرفع جائزة للآداب الإسبانية، كما رُشح للفوز بجائزة نوبل.

ومنذ طفولته كان مختلفاً عن الأطفال في سنه، حيث كان يهوى الرسم بدلاً من اللعب، وظل السؤال الوجودي عن الحياة والموت يلاحقه بعد وفاة أخيه الصغير «آرنستو» الذي سُميّ باسمه ما كان له بالغ الأثر على حياته وكتاباته في محاولة منه لإثبات ذاته المختلفة عن أخيه المتوفى الذي ظل شبحه يلاحقه إلى آخر عمره.

يقول: «تمسكت بي أمي تمسك اليائس، وقد انعكس كل ذلك على علاقتي اللاحقة بكتبي، التي أردت لها أن تكون دفاعاً عن وجودي». ما تعلمته من سيرته الذاتية أن الشغف لا يعرف عمراً معيناً ولا حرج أبداً من أن تخطو خطوة جريئة في سبيل التخلي عن منطقة الأمان لديك لتتبع شغفك الخاص وتبدع فيه مهما كانت العواقب.

فسوباتو الذي انطلق في التأليف والكتابة حقق ما لم يحققه العديد من الأدباء ممن قضوا عمرهم بأكمله بين الورق والحبر. إن ما يهم في رحلة حياتك هي أن تعرف شغفك؛ فربما تفرض عليك الحياة والظروف نمط حياة يبعدك عن ذاتك ويطمس صوتك الداخلي، ولكن تأكد أن ثقتك بنفسك هي ما سيقودك للطريق الخاص بك نحو القمة.