رؤى الحايكي
كان الوباء فرصة لمحاولة التخلص من العادات السيئة التي تتعلق بالكيفية التي ندير بها أعمالنا في بيئة العمل كمديرين وأيضاً كموظفين، ولكن أكثر تحديداً سأقول إن الجائحة كانت فرصة للتخلص من عادة الإدمان على العمل؛ فقبل بدء الجائحة كان الناس يدمنون على العمل ويقضون وقتاً طويلاً متناسين أهمية تحقيق معادلات التوازن بين الحياة الخاصة وأوقات ومتطلبات العمل، الأمر الذي يؤدي إلى نسيان هدف المحافظة على الصحة النفسية والجسدية.
ولأن الجائحة قد فرضت نمطاً جديداً من العمل وهو العمل من المنزل، الأمر الذي قلب موازين الكيفية التي يجب أن يدار بها العمل وأعتقد الجميع حينها أن ذلك يمكنه أن يكون خياراً أفضل لمحاولة إيجاد ذلك التوازن المطلوب بين البيت والعمل، وأيضاً هو فرصة جيدة لرفع جودة العمل عن طريق تواجد الشخص في بيئة مريحة ومرنة بعيداً عن ضغوط العمل اليومية وتشتت الذهن وضياع الوقت في التنقل إلى العمل ومنه.
ولكن بعد انقضاء أشهر على ممارسة العمل من المنزل، اتضح أن تحقيق التوازن المنشود للموظف أمر صعب ولا يمكن أن يتحقق أبداً، بل على العكس تحول الوضع من الإدمان على العمل إلى العيش في العمل ولكن من المنزل.
لقد استجدت نوعية الضغوط والقلق الناتج عن العمل وزادت ساعات العمل، بل تضاعفت بسبب اضطرار الشخص إلى إثبات جدارته لمديره في العمل وهو في المنزل. لقد اضطر الموظف إلى العمل ساعات مضاعفة تفوق ساعات العمل السابقة قبل الجائحة؛ لكي يكون على قدر من الثقة والمهارة، فأصبح الموظف ينافس غيره وينافس نفسه لكي يحافظ على وظيفته في ظل ظروف صعبة.
ولم يعد العمل من المنزل مريحاً أبداً على الرغم من الحرية في ارتداء الملابس وأوقات الراحة المسموح بها. إن ما كان يحدث من إدمان على العمل كان يشكل مخاطر على الصحة النفسية والجسدية فما بالكم وقد تحول الأمر إلى العيش في العمل؟ لقد أثر ذلك على الناس وتسبب بضغوط أكثر من تلك التي تسببت بها الجائحة.
الخلاصة، بعد أن انقشعت غمامة الجائحة لا بد لنا من أن نقيم الأضرار النفسية والجسدية للموظف الذي كان يحاول وسط تلك العواصف أن يثبت استحقاقه الوظيفة ويحافظ على مصدر رزقه، لا بد لنا من أن نحاول تخفيف وطأة ذلك إن كنا موظفين، ولا بد لإدارات الأعمال من أن تنتبه لذلك أيضاً؛ فالجانب الإنساني حق لا بد من أن يتحقق وإن كنا جميعاً نحاول أن نسترجع عافيتنا بعد مرور عاصفة الجائحة.