الكل يتفق على أن الجائحة ألقت بظلالها القاتمة والخانقة على النفس البشرية وبددت بكل وحشية طاقاتها، بل أرهقتها فترة طويلة بلا رحمة. وبعد أشهر من الصبر والترقب الطويل، بدأ الوضع في التحسن التدريجي وبدأت النفس البشرية تتنفس الصعداء، أخيراً شاهدنا غيوم الأمل تتلبد وسط سمائنا، بعدها بدأت فكرة السفر والترحال تطرق الأذهان؛ فبعد فترة حجر طويلة وتذبذب الأحوال شهوراً بين الأمل وخيباته آن الأوان للسفر والترحال.

إن التفكير في السفر مرتبط بتجديد الطاقة، كون السفر علاجاً سحرياً للنفس مهما اختلفت وجهاته وطالت مدته أم قصرت. ولكن مع الجائحة فكرة السفر كان لها مدلول نفسي وذهني آخر أوسع نطاقاً وأعمق في المعنى سواء بوعي أو من غير وعي منا.

إن فكرة السفر كانت أقرب للتمرد على وضع فرض علينا، ولم تكن كعادتها فكرة للاستجمام فقط، كانت فكرة السفر صرخة إنسان على إلغاء الإرادة الحرة وتبعات ذلك على النفس والسلوك، ولكن السؤال هنا: بعد انقضاء رحلة السفر، هل عالج يا ترى ما أفسدته الجائحة في نفوسنا؟ أم أننا نضحك على النفس لأننا لا نملك علاجاً آخر لها؟ دارت مؤخراً أحاديث كثيرة بين الناس على اختلاف أعمارهم وثقافاتهم، بينهم رجال ونساء حول موضوع السفر ومدى فائدته بعد الجائحة للتخفيف عن النفس وشحن طاقتها، وفي المجمل انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض، فهناك فئة مقتنعة بأن السفر قد أزال الهموم والقلق والتوتر الذي نجم عن الجائحة، بل امتلأت بعده النفس أملاً وحياة وتفاؤلاً. في المقابل، هناك من عارض هذا الرأي، حيث كان مقتنعاً بناءً على تجربته الشخصية أن السفر مجرد مخدر سطحي يعطي صورة إيجابية للذهن، ولكنها صورة لحظية تزول بانقضاء فترة السفر والعودة إلى الواقع.

الصراحة أن المسألة جدلية والنقاش فيها طويل كون الموضوع يرتبط بتركيبة الشخصية ومدى تأثر الفرد جراء الجائحة وكذلك مستوى وعيه وإدراكه مدى تأثره بها، كما أن الخوض في غمار النفس ومحاولة فهمها يساعد على اختيار وجهات السفر الأنسب، والتي يمكنها أن تؤثر إيجاباً في علاجها من آلامها وترسبات تجربة الجائحة التي مرت بها. فهناك من تحتاج نفسه للانعزال والهدوء وهناك من يحتاج لخوض مغامرات جديدة وغريبة وهناك من تحتاج روحه لزيارة الأماكن التي تغذي الروح وتصالحها مع ذاتها.

يبقى السفر مصدراً من مصادر الراحة والاستجمام والعلاج النفسي، ولكننا وإن كنا قد جربناه اجتهاداً منا ولم نفلح في طي صفحات الهم والسلبية التي خلفتها الجائحة علينا فمؤكد أن استشارة المختصين في مجال الاستشارات النفسية هو تحديداً ما نحتاج إليه؛ لأنهم سيكونون عوناً لنا في معرفة عمق الجراح والآلام النفسية التي نعيشها وسيقدمون لنا النصح والدعم الذي يمكن بعده أن ننجح في التخطيط لرحلة سفر ذات تأثير إيجابي وعلاجي فعال.

رؤى الحايكي