ربما يجد البعض بأن الحديث عن موضوع الصداقة ليس بالجديد، وأنا أتفق معكم في ذلك، ولكن هناك أمرٌ خفي لا يدركه البعض إلا عندما يسقطون في فخ من يدعون الصداقة.
يجهل العديد من الأشخاص مفهوم الصداقة التي تعد من أجمل العلاقات الإنسانية وأكثرها أهمية، فهي علاقة مبنية على الصدق والإخلاص والتعاون والمحبة والمشاركة، وفي حال فقد أي ركن من أركانها سيتغير مفهومها.
لطالما نبهتني أمي من موضوع تكوين الصداقات، فليست أي فتاة تصلح بأن تكون صديقة مخلصة، وليس كل ما يحدث في حياتنا يجب أن تعلم به الصديقة، فالصداقة حدود.
العديد من القصص التي نقرأها أو نسمعها يومياً عن خيانة الأصدقاء، تجعلنا نفكر بحذر شديد قبل أن نقرر تكوين صداقات مع أي كان.
لم أكن أدرك معنى ما قالته أمي إلا عندما سمعت عن القصص المرعبة التي تحدث بين الصديقات، فهناك من يبدعون في التسلل إلى حياتنا ومن ثم التغلغل في أمورنا إلى أن يصلوا إلى مبتغاهم، وهناك من يتقنون فن التمثيل ويختارون دور الصديق الوفي الأمين، وهم في الواقع كالثعابين، يبدأون بالتقرب من ضحاياهم، ومن ثم الالتفاف حولهم وتدميرهم.
شدني فيديو نشرته متخصصة في القضايا الأسرية تحدثت فيه عن قصة زوجة سرقت منها صديقتها زوجها بعد أن "حلى في عينها"، بسبب حديث الزوجة المستمر عن سماته وحسنه وأدبه وأخلاقه أمام صديقتها، التي سعت إلى الزواج منه وتسببت في هدم حياة أسرة سعيدة، بعد أن وثقت الزوجة بها وأحسنت معاملتها، وكانت لا تخفي عليها صغيرة ولا كبيرة في حياتها إلا وتخبرها عنها!
من المخطئ في هذه القصة يا ترى؟ هل الزوجة التي وثقت وباحت بأمور حياتها لصديقتها؟ أم الصديقة التي خانت أسمى معاني الصداقة؟
دعوني أتحدث بصراحة أكبر عن هذه الجزئية، دائماً ما أتعجب مِن مَن تتحدث أمام صديقاتها عن أدق تفاصيل خصوصياتها، وتخرج حياتها الشخصية للعلن من باب التفاخر بها، وتتعدى بذلك كل الحدود. بكل صدق لا أجد سبباً مقنعاً للحديث عن الحياة الخاصة أو الشخصية أو الأسرية بين الصديقات، ففي لحظة الخلاف هناك من لا يكتمون سراً، ولا يسترون عورة.
قرأت حكمة تقول "احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة، فإن انقلب الصديق فهو أعلم بالمضرة"، فعندما ينقلب الصديق تصبح طعناته أشد ألماً من طعنات العدو، فلربما تكون طعنة عدوك جارحة، ولكن الصديق أعلم بنقطة ضعفك وسيوجه طعنة واحدة ستكون هي القاتلة.
إذن على من نطلق لقب صديق؟ ليس كل شخص تحدثنا معه يصبح صديقاً، وليست كل زميلة صديقة، فالصداقة معانٍ سامية، نادراً ما نجدها هذه الأيام. وعلينا معرفة الفرق بين صديقة تُعمر وأخرى تُدمر، فالأولى تسعى لمصلحتك والأخرى تسعى لمصلحتها.
أعلم بأن البعض سيجد بأنني قد بالغت في التحذير من تكوين الصداقات، وكان بإمكاني تصنع المثالية في حديثي عن الصداقة، ولكننا في زمان وجب فيه الحذر.
عبير مفتاح