قد لا يخطر ببالنا أن نوثق ما يجري في حياتنا، وقد نعتقد أن ما نمر به لا يستحق عناء كتابته وتوثيقه. نظن بأن التاريخ حافل بقصص عظيمة لشخصيات ذات شأن وقيمة، ولا يوجد مكان لقصصنا في مكتبة التاريخ المكتظة بمجلدات من قصص الشعوب. ننسى بأن كل قصة جديدة تمثل تراكمات فريدة في عصر يختلف عن العصر الذي سبقه. ونتساءل، ماذا يمكن للناس أن تتعلم من قصصنا؟ وإن كان فيها بعض العبر كيف لنا أن نكتب همسات الروح وصراعات العقل بوضوح وسلاسة لتصل للقارئ؟ فيهضم معانيها ويتعلم من فحواها. نقول لأنفسنا نحن لا نملك ملكة الكتابة والتعبير عن هواجس النفس ومعاناتها، كوننا نتبنى أسلوب تجاهل الذات للاستمرار في هذه الحياة. نتجاهل الألم ونتجاهل مواجهة النفس ومقاصصتها. نتجاهل تقويمها وتعليمها لكي تنضج وتترك ما يلتصق بها من جهل وغرور. أسباب كثيرة تؤدي لعدم كتابة قصصنا، نحن نبخل على أنفسنا فلا نعطيها حقها من التقدير ونبخل على غيرنا بعصارات من تجارب قد تكون نوراً للبعض في نهاية نفق أو طريق.

ولو بحثنا خلف الأبواب ووسط مجتمعنا وعلى أطرافه لوجدنا الكثير من القصص والمواعظ والعبر، قصص ممزوجة بالأمل وبعضها بقايا عذاب وأخرى تعكس إيماناً ويقيناً بخالقها وبعضها كله تضحيات. قصص خلف أبواب مغلقة بين فردين وأخرى تجمع صراعات وتعكس أطماع البشر وبشاعة ما في وجدانهم. قصص نجاح وأخرى فشل تفتح آفاق العقل وتفاجئنا من هول ما تعكسه من سلوكيات الإنسان. قصص تستحق الكتابة والنشر، قصص تستحق القراءة، قصص تستحق منا وقفة تأمل واستيعاب. فنحن وسط انشغالاتنا نعيش حياة سريعة تسرقها منا متطلبات وكماليات وهموم ليست بالهموم، ووسط ذلك ننسى أن ننظر بتمعن وتدبر لمن حولنا، لمعاناتهم وإنجازاتهم وكيف كانت حروبهم ولماذا انتصروا وغيرهم لم ينتصر. قصص تعلمنا وتذكرنا بمدى عمق مفهوم الحياة ولماذا خلقنا الله على هذه الأرض. قصص تعلمنا التضحية والتسامح وخلق التوازن عن طريق العطاء الذي لا يكون خالصاً من أي مطامع إلا إذا كنا نفهم ونشعر ونتألم فنجود على الغير بكل تواضع.

إن كتابة القصص وتوثيق التجارب يتطلب منا فقط شجاعة لمواجهة ذواتنا ومن ثم مواجهتها بالعالم الخارجي، يتطلب صدقاً ووضوحاً مع النفس وتصالحاً معها. يتطلب وقتاً وهدوءاً واقتناعاً بمدى أهمية الموضوع. عن نفسي، كتبت 3 قصص حتى هذه الساعة، قصص في طريقها للنشر ومازلت أعيش تجارب وغرائب الحياة وأكتب في مذكراتي ما سيكون بداية لقصص جديدة تعلم الناس أن المظاهر خداعة وبأن النجاح والتألق له ثمن وبأن الناس أجناس وهناك من لا يمكن شراؤه بمال أو منصب، ستعلمهم وتذكرهم بواقع ومعادلات وتضحيات وبعقيدة وإيمان راسخ وكيف يمكن للإنسان أن يتغير ويتحول بل ويولد من جديد. والأهم تذكرهم كيف تكون عناية الله محيطة بنا برغم قوى الظلام.

رؤى الحايكي