أجرى مجموعة من العلماء في أمريكا وإسبانيا تجربة فريدة على الأطفال لقياس القدرة على تأجيل الرغبات وضبط النفس لديهم، ومدى تأثير ذلك على نجاحهم في حياتهم مستقبلاً، واستعرض الباحث جوشيم دي بوسادا نتائج هذه التجربة المثيرة في مقطعٍ نُشر في عام 2009م بموقع تيد (TED.com) بعنوان «لا تأكل حلوى المارشملو» والذي حصد قرابة الأربعة ملايين مشاهدة.

وقد أجريت هذه التجربة على مجموعة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين الرابعة والسادسة، حيث تم إبقاؤهم في غرفة مُغلقة لمدة ١٥ دقيقة ووُضعت أمامهم قطعة من حلوى المارشملو، وكانت التعليمات التي وجهت لهم كالتالي: إذا صبرتم لمدة 15 دقيقة ولم تلتهموا قطعة الحلوى التي أمامكم فسيتم إعطاؤكم قطعة إضافية من الحلوى، ووضُعت في الغرفة التي تجرى فيها التجربة كاميرات مراقبة مخفية لتسجيل ردة الفعل من قبل الأطفال.

العجيب أن أغلب الأطفال لم يصبروا وأكلوا قطعة الحلوى فور خروج الموجه الذي أعطاهم التعليمات من الغرفة، والبعض لم يتحمل الانتظار لأكثر من ١٠ ثوان، والبعض خمسين ثانية ومنهم من وصل إلى ١٤ دقيقة ونصف ثم أكلوا قطعة الحلوى، ولم يجتز هذا الاختبار إلا عدد قليل جداً من الأطفال والذين استطاعوا تأجيل رغباتهم والاستمتاع بقطعتين من الحلوى لاحقاً.

وبعد ١٥ سنة من هذه التجربة تتبع العلماء جميع الأطفال الذي شاركوا فيها، والعجيب أن جميع الأطفال الذين قاوموا الرغبة بالأكل واستطاعوا ضبط أنفسهم كانوا من المتميزين في دراستهم والناجحين في حياتهم، وأما الذين لم يصبروا في الاختبار فكان الأغلب منهم يُعاني من مُشكلات في الحياة أو من أصحاب المعدلات الدراسية المتدنية ومنهم من لم يُواصل دراسته للجامعة.

واستنتج العلماء من هذه الدراسة أن هناك علاقة لا تنفك بين قدرة الإنسان على ضبط النفس وتأخير الحصول على المنافع وبين نجاحه على المدى البعيد، فكلما كانت القدرة على التحمل وضبط النفس أكبر، كلما ازدادت فرص النجاح والنبوغ في الحياة أكثر، والعكس صحيح.

ولا يتعلق الأمر بتناول الحلوى فحسب بل جميع جوانب الحياة، فهناك من لا يمتلك القدرة على منع نفسه من الشراهة وتناول الأكل حتى يُصاب بالسمنة ومختلف الأمراض، ومنهم من لا يستطيع كبح جماح نفسه عن الشراء وتتبع رغباته فيضيع الراتب كله في أول الشهر ويبدأ بالتكفف حتى نهايته.

وقد يرجع السبب في ذلك إلى ضعف الإرادة لدى الإنسان وجهله بالمنافع المترتبة على ضبط النفس وعلى الصبر، أو قد تكون بسبب الخلل في التربية وتعويد الأطفال الحصول على رغباتهم وطلباتهم فوراً.

وأياً كان المسبب في ذلك، فأمامك الفرصة للتغيير وتعويد نفسك على تأجيل الرغبات وضبط النفس والتدرج حتى تصبح قادراً على ذلك وتُحقق أفضل النتائج في حياتك بإذن الله.

محمد إسحاق عبدالحميد