يسألني بعض الأصدقاء من حين إلى آخر عن مقترحاتي لشراء الكتب، وأراني بحماسة كبيرة أسرد عليهم قوائم كتبي المفضلة مع شرح أسباب هذا الحب وتدعيمه بالشواهد والاقتباسات والإثباتات حتى يشتروه. وكنت -لسبب سيكولوجي ما- أحزن إن لم يأخذوا بمشورتي.
مع الوقت نضجت وأدركت أن مسألة تقييم الكتب هي مسألة فردية بحتة تعتمد على ذائقة القارئ، ومن الخطأ الظن أن ما نحمله من رأي هو «الحقيقة والواقع»؛ فالكتب السيئة لها من يظن أنها الأفضل. وفي المقابل هناك كثير من الكتب الجيدة التي غمرها الغبار فقط لأن مثقفاً ما لم يمنحها مباركته وتقييمه العالي!
تخيل مثلاً لو أن الروائي همنغواي كان لا يزال حياً بيننا ويخبرك عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن رواية «غاتسبي العظيم» لم تعجبه! إن جملة مثل هذه كفيلة بأن تؤثر على آلاف القراء حول العالم وتجعلهم بلا شك يمتنعون عن شراء هذه الرواية. والطريف في الموضوع أن همنغواي كتب هذه الجملة بالفعل في رسالته للكاتب فيتزجيرالد «مؤلف غاتسبي العظيم» منتقداً روايته التي أصبحت فيما بعد واحدة من أهم روايات القرن المنصرم! من هنا تأتي المسؤولية تجاه الكتب. فما لا يعجبك ربما يعجب آخرين غيرك، فلا تحرم الكتاب حق التصفح من قبل يد تهتم به.
غونتر غراس يقول عن الكتب السيئة إنها «كتب» ولذلك هي مقدسة! وبالرغم من أني أرى الكتب السيئة إهداراً سافراً للورق، فإن الحسنة الوحيدة لها أنها الدعامة التي أستند عليها لتمييز الكتب من خلالها وتصنيفها، فوجودها يعلمنا ما الذي علينا تجنّب قراءته في المستقبل.
إن عملية اختيار الكتب تتطّلب اليقظة والحذر عند الإمساك بكل كتاب، فأنت بهذه الطريقة تختار أصدقاءك الجدد وعليك أن تنتقيهم بعناية. وحتى الكتب التي يراها الجميع جيدة وتكون موجودة على قوائم الكتب الأكثر مبيعاً فإني في غالب الأحيان أهرب منها بعيداً ولا أوصي أحداً بها، لأني أعلم أن خلف هذا التقييم تقف طوابير طويلة من القراء المبتدئين الذين يعجبهم أي كتاب يقع بين أيديهم ويرضي لديهم شغف البدايات والهوس بالقراءة، فتراهم يتدافعون لشراء هذه الكتب التي تتناسب مع مرحلتهم. فلا الكتب السيئة عليك أن تنصح بها ولا الجيدة. أترك لنفسك وللآخرين متعة اكتشاف الكتب، ولا داعي لأن تسلّم عقلك لأحد حتى يختار لك ما تقرؤه. وتحمل بنفسك مسؤولية «تغذية عقلك»!
أميرة صليبيخ