حجمها 26.9 مليار دولار في 2020.. و10.3٪ معدل النمو السنوي
سوسن فريدون
تشير التقارير إلى نمو سوق السلع الفاخرة المستعملة عالمياً بمعدل 4 مرات أسرع من سوق السلع الفاخرة الأساسي. وبعد أن بلغ حجم سوق السلع الفاخرة المستعملة نحو 26.9 مليار دولار خلال عام 2020، فمن المتوقع أن يشهد سوق السلع الفاخرة المستعملة معدل نمو سنوي مركباً يبلغ 10.3% خلال الأعوام 2021 حتى 2026، وفقاً لتقديرات مجموعة «آي مارك» العالمية.
وفيما يقود البائعون عبر الإنترنت سوق السلع الفاخرة المملوكة مسبقاً، إلى جانب الاقتصاد الدائري الذي يعد محركاً آخر لنمو هذه السوق، فإن طبيعة السلع الفاخرة التي تتسم بالمتانة والدوام سنوات طويلة تجعلها مناسبة لسوق إعادة البيع.
نوف، شابة بحرينية اعتادت شراء قطع مستخدمة من علامات تجارية راقية للأزياء من خارج البحرين، لتطلق قبل قرابة عامين حساباً على منصة «إنستغرام» يختص ببيع السلع الفاخرة المستخدمة ويتابعه أكثر من ستة آلاف شخص. تقول نوف في حديث لـ«الوطن»: «نقوم فقط بعرض العلامات التجارية الراقية مثل (إيرمز) و(شانيل) و(كريستيان ديور) و(كارتييه)؛ لأنها تحمل قيمة وأسعارها قابلة للزيادة سنوياً، ما يجعل محبي الموضة يتجهون نحو شرائها مستخدمةً بأسعارٍ أفضل، وفي حال بيع القطعة فإننا نحصل على نسبة مئوية من سعر البيع».
وحول مدى رواج وقبول هذه الفكرة في المجتمع البحريني، توضح: «مازال هناك كثير من الناس الذين لا يثقون بسوق السلع الفاخرة المستخدمة حيث تزداد فيها فرص الاحتيال من خلال بيع سلع غير أصلية، لكنني كخبيرة يمكنني تمييز السلع الأصلية من المزيفة، كما أننا نشترط على الراغبين في عرض قطعهم للبيع إظهار ما يثبت أن القطع أصلية، كفاتورة الشراء أو أن تكون القطعة مسجلة باسم ورقم هاتف مالكها في المتجر الذي تم الشراء منه، وهو ما عزز ثقة المشترين بنا ووسع من انتشارنا. وعلاوة على ما سبق، نحن نسمح للراغبين في الشراء بفحص القطعة بأنفسهم ومعاينتها، ويكون الدفع بعد اتخاذ قرار الشراء النهائي».
إحسانٌ في العطاء
أما «خزانة زين» فهو أول متجر في البحرين يعرض السلع الفاخرة المستعملة ويقوم بدور الوسيط بين الراغبات في بيع مقتنياتهن من الأزياء والزبونات مقابل نسبة من سعر السلعة المعروضة. وتشير مالكة المتجر عائشة شريف لـ«الوطن» إلى أن «هذه الثقافة منتشرة في المجتمعات الغربية وهدفها سامٍ يقوم على إعادة تدوير السلع وإعادة استخدامها من أجل المساهمة في الحفاظ على البيئة وتعزيز الشراكة المجتمعية، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء المتجر».
الزائر للمتجر سيلاحظ أن معظم السلع المعروضة هي جديدة أو شبه جديدة، وتتنوع ما بين الملابس والحقائب والأحذية والإكسسوارات، فيما تصل نسبة الادخار إلى 80% من سعر السلعة الأصلي.
وحول دوافع البحرينيات إلى شراء سلع فاخرة مستخدمة، تجيب: «هناك من تعرض قطعها للبيع بهدف الكسب المالي، فيما تساهم أخريات من باب الدعم لمبدأ المشروع والرغبة في التجديد في خزائنهن ومقتنياتهن»، فيما تعرب عن أملها ازدياد الوعي ورواج هذه الثقافة في البحرين والخليج، والتي يمكن وصفها بالإحسان في العطاء من خلال توفير قطع مميزة بأسعار تنافسية مناسبة لذوات الميزانيات المحدودة.
الرغبة في التجديد
لا تجد المهتمة بشؤون الموضة أمنية شعبان حرجاً في شراء سلعة فاخرة مستعملة، وإن لم يحدث هذا حتى الآن، حيث تقول: «منذ مدة كنت أفكر في اقتناء ساعة ثمينة مستعملة وكانت بحالة ممتازة وشبه جديدة، وبعد البحث وجدت أن السعر المعروض للبيع يقل بنحو ألف دينار عن سعر الساعة الجديدة، وهو ما يعتبر صفقة في عالم السلع الفاخرة».
وأشارت إلى أنها قامت ببيع بعض من مقتنياتها الشخصية رغبةً في التجديد والاستفادة من المال الذي ستكسبه في شراء أشياء تحبها وتستمتع بها، وخاصة بعد أن اشترت بعض السلع التي تبين لاحقاً أنها غير ملائمة لذوقها ولم تستخدمها، وأخرى أدت غرضها وحان وقت استبدالها.
وتتابع: «هي فكرة جميلة تربط ما بين محبي التجديد والأشخاص غير القادرين على شراء السلع الفاخرة بأسعارها الأصلية، حيث يستفيد كل من البائع والمشتري في هذه الحالة».
وسيلة للادخار
تصف خبيرة المظهر ومصممة الأزياء نوارة كمال فكرة شراء سلع فاخرة مستخدمة بأنها «مقبولة، فهي من الممكن أن توفر على المستهلك المال من حيث الحصول على القطعة التي يرغب فيها بسعر أقل من سعرها الأصلي، لكن قد تكون إحدى السلبيات أن القطعة المراد شراؤها قد تم استخدامها كثيراً من قبل البائع، ومن الممكن ألا تدوم فترة طويلة لدى مقتنيها الجديد».
ومع انتشار مفهوم الموضة البطيئة حول العالم، والتي تهدف إلى جعل الناس أكثر وعياً بعاداتهم الشرائية واعتماد منتجات أكثر استدامة وصديقة للبيئة، فإن شراء سلعة مستخدمة من علامة تجارية مرموقة هو فرصة لمنحها حياة جديدة وإعادة تدويرها من خلال انتقالها إلى مستهلك جديد.
لكن لنوارة رأي مغاير إذ تُبيّن أنه «لا ينسجم هذا التوجه كثيراً مع حركة الموضة البطيئة. هي وسيلة للادخار من حيث الأموال، ولكن إذا نظرنا إلى الأمر من الناحية الاستهلاكية، فإنه نحو 60% من القطع لا يمكن إعادة تدويرها، وغالباً ما يكون العمر الافتراضي للقطع المستخدمة ثلاث سنوات كحد أقصى».
بيد أنها تشير إلى استفادة البعض من ذلك في حال شراء سلعة تمثل «الاستثمار العقاري»، مثل حقائب الماركة العالمية «إيرمز»، لافتةً إلى أن كثيراً من المشاهير ورواد الأعمال يتجه إلى شراء مثل هذه القطع، وإن كانت مستخدمة، نظراً إلى إتقان عملها الذي يجعل من أسعارها تتراوح بين 6 آلاف و50 ألف دينار بحريني».
وتنصح نوارة الراغبين في شراء سلع فاخرة مستخدمة بمعرفة احتياجاتهم أولاً، ثم التأكد من القطعة من خلال فحصها، أو عن طريق الفاتورة والمعلومات المتعلقة بها، وكذلك الضمان في حال تواجده. كما تشدد على ضرورة المقارنة بين السعر الأصلي والسعر المعروض للبيع في حال كانت السلعة مستخدمة، فبالتأكيد سيكون سعرها قابلاً للتفاوض».
المستخدم أفضل من المقلد
أما خبيرة الموضة ومنسقة المظهر فاطمة أكبر فتشير إلى أن صناعة الأزياء هي واحدة من أكبر الصناعات الملوثة في العالم باعتبارها تستهلك كثيراً من المياه والمواد الكيماوية، وهي من مسببات التغير المناخي، وبالتالي فإن خيار إيقاف دورة الشراء المستمرة واستبدالها بخيارات أكثر استدامة مثل شراء سلع مستخدمة سيسهم في الحد من تصنيع سلع الجديد وبالتالي الحفاظ على البيئة.
وتضيف قائلة: «فضلاً على البُعد البيئي، فإن هناك جانباً اقتصادياً يبحث عنه الكثيرون عند شرائهم هذه القطع، حيث يمكن توفير مبلغ جيد من المال، وخاصةً إذا كانت القطع المعروضة للبيع هي من المجموعة الجديدة للموسم». هنا، تتفق نوف مع ما ذكرته فاطمة، وتشير إلى أنها قامت مؤخراً بعرض حقيبة من الموسم الجديد لإحدى العلامات التجارية الراقية بسعر 45% أقل من سعرها الأصلي، وكانت هذه الحقيبة جديدة مع كامل مرفقاتها، ولم يتم استخدامها.
وتواصل فاطمة حديثها: «أحياناً تفوق أسعار هذه القطع ميزانية الشخص ودخله، وعليه فإن اقتناء سلعة مستخدمة أفضل من سلعة غير أصلية»، لكنها تنبه إلى ضرورة الحذر من الوقوع في الفخ وشراء سلعة مقلدة دون معرفة ذلك، حيث يصعب التحقق أحياناً بسبب عدم وجود الفاتورة أو البطاقة الأصلية للسلعة.
الرغبة في الانتماء لطبقة معينة
تعزو مدربة الحياة المعتمدة والمرخصة دولياً سمر حجير الرغبة في شراء المقتنيات الثمينة إلى عدة أسباب منها الثقة بجودة السلعة، إما عن تجربة شخصية سابقة وإما توصيات من أشخاص موثوق بهم، أو الولاء لعلامة تجارية معينة بسبب الارتباط النفسي بها من خلال تكون ذكريات ومشاعر مرتبطة بها.
كما قد تكون الرغبة وليدة التنافسية بين العلامات التجارية الشهيرة، والتي تعزز لدى المستهلك الرغبة في اختيار واحدة دون أخرى، لافتة إلى أن «قدرتنا على الاختيار تغذي لدينا الشعور بأننا أصحاب موقف ورأي».
إضافة إلى ما سبق، فإن ثمة رغبة في الانتماء لطبقة معينة من المجتمع يعتمد نسيجها على التفاخر بالماركات الباهظة التي لا يستطيع اقتناءها إلا محدودو أو متوسطو الدخل. وهنا تتحدث سمر عن الدافع النفسي: «نحن بطبيعتنا كبشر نرغب في الانتماء للمجموعة لأن هذا الانتماء يعزز شعور الحماية والقبول، وهي مساعٍ بشرية لأي إنسان. فمثلاً عندما كنا أطفالاً، كنا نقوم باستخدام ملابس وأدوات الوالدين ونتصرف مثلهما باعتبارهما القدوة والمصدر الأول للإلهام.
وتستطرد: «هذه الرغبة في الانتماء تقودنا إلى التشبّه والتماهي مع ما يمتلكه أبناء هذه الطبقة، وهكذا تتشكل لدينا الحاجة لمحاكاة حياة الآخرين ضمن إطار ما نستطيع القيام به والحصول عليه».