شيخة الرويعيعند الحديث عن مفهوم الصلح كوسيلة لفض المنازعات في مسائل الأحوال الشخصية لا بد من أن نوضح أن مصطلح الأحوال الشخصية مصطلح وافد ابتدعه الفقه الغربي، وهو ما يعني كل الروابط الناشئة جراء علاقة الزواج وما ينتج عنها من طلاق وميراث وهبة ووصية، والفقه الإسلامي أدرج هذه الأمور تحت أحكام الزواج والطلاق وما ينتج بالتالي عن هذه العلاقة، والصلح من المصالحة أي نقيض المخاصمة ومعناه السلم، فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا» «سورة الحجرات: الآية 9».إن الأصل في فض أي نزاع هو اللجوء للقضاء؛ لأنه السلطة التي فوضها المشرع لفض النزاعات بين الأفراد بشأن حقوقهم، وإذا ما عرض أي نزاع أمام القاضي فإنه سيفصل فيه بحكم نصوص القانون الذي يحكمها، ولما لمسائل الأحوال الشخصية من خصوصية فقد تم فصل محاكم الأسرة حفاظاً على خصوصيتها، ويختص القاضي بإحالة النزاعات الأسرية إلى مكتب التوثيق الأسري كوسيلة من وسائل فض النزاع بالطرق السلمية والودية، ثم أدرج المشرع الوساطة الشرعية، حيث إن الوساطة تعتبر كل ما من شأنه حسم الخصومة دون إصدار حكم قضائي فيها بموافقة كلا الطرفين ورضاهم.وبما أن للعلاقات الأسرية أهمية كبيرة في مجتمعاتنا حيث إنها أساس وكيان المجتمع فقد حرص المشرع البحريني على حفظ الروابط الأسرية والحفاظ عليها من التفكك بين أروقة المحاكم.وتعتبر الوساطة إجراءً بديلاً لتحقيق نوع من أنواع العدالة، وهي عملية تجمع بين التقليد والحداثة بأسلوب حديث وابتكاري لفض النزاعات وحماية حقوق الأطراف دون مشقة المتابعة القضائية، فقد عرفت المجتمعات العربية وحتى الغربية منذ الأزل صور الحلول الودية لفض المنازعات قبل أن يتطور القضـاء، فكــانت المجالس يترأسها ويُديرها أصحــاب الخبرة والحنكة ومن أهل الثقة الذين يمتلكون القدرة على تفهم المحيطين حولهم والقادرين على تحليل وتشخيص أسباب النزاع بين الأطراف والمتمكنين بحكم خبرتهم الوصــول إلى الاتفــاق الذي يُرضي جميع الأطـــراف بحيــادية وأمانة تامة.والوساطة بحد ذاتها تعتبر فناً، حيث إن الوسيط الذي لا يمتلك فنون التفاوض والحوار لا يترشح؛ لأن يكون وسيطاً، فالوسيط كما يُقال هو أحد صناع المثالية وهدفه الأساسي هو إقرار السلام بين الأطراف المتناحرة، ولذلك لا بد من أن يمتلك قدرة عالية على الإنصات والإرضاء واستيعاب الآخرين وتفهم معاناتهم ومشاكلهم وقياس النزاع من وجهة نظر كل طرف، وأن يكون على مقدرة كافية في تحريك المشاعر حتى يتمكن من تغيير مشاعر كلا الأطراف تجاه بعضهم البعض، حيث إن الوساطة تنظر للبعد النفسي والاجتماعي وكلا الطرفين يستطيع أن يُفضي ما في جعبته ومكنونات نفسه بكل أريحية فهذا الجانب لا يتوافر في الدعاوى التقليدية بسبب الضغط الهائل على القضاة وإجراءات التقاضي.