على الرغم من رحيله المفجع عن عالمنا في السادس من نوفمبر من العام الماضي، إلا إني لازلت ممتنة لكل اللحظات الجميلة والقليلة التي قضيتها معه في بعض الفعاليات عندما كنت رئيساً لجمعية «كلنا نقرأ».
ولعل أهم ما كتبه الكاتب والسيناريست البحريني فريد رمضان، رحمه الله، هي روايته الأخيرة «المحيط الإنكليزي» التي ما أن تقرأ عنوانها حتى تشعر بإنجذاب ذهني لمعرفة موقعه، فيجبرك على أن تشد شراعك لتبحر في محيطه، وسرعان ما تجد نفسك وقد أصبت بدوخة عقلية لذيذة من عمله الملحمي.
تفوح من الصفحات رائحة البحر المالح، سيلطم عقلك بالقصص الأسطورية والألغاز، فيختلط عليك الواقع مع الخيال وستمضي مع الأبطال حُقُباً، يقودك فضولك للمعرفة.
يذهلك رمضان بكتابته الروائية بعين مخرج، متنقلا ما بين المشاهد لنقل أحاسيس العبيد المنكوبين، فتقرأ وكأنك تشاهد فيلما يستثير حواسك، فتسمع قرع طبول آتية من مكان بعيد، أصوات الخوف، الاستغاثة، هدير الموج الذي يلطم السفينة دون رحمة، ستشعر بلسعات المطر الغزير على وجهك، وطعم الملح في فمك، والدخان سيخترق أنفك، ولا شيء هناك سوى الظلام والموت!
يغوص رمضان في عمق الشخوص ويضع يده على مكامن الخوف، القلق،الأحلام، والضياع بين هويتين، فالعبودية لا تقتصر على طمس الهويات والمتاجرة بالأفراد، فهي لا تزال تتنكر في وجودها على أرض الواقع بالرغم من اختفاء مظاهرها السابقة، فجميعنا عبيد مع اختلاف نوع الأصفاد التي تقيدنا.
وبالرغم من أن الرواية عسيرة الهضم على القاريء المبتديء لكنها تمنحك متعة الاستكشاف، وتجعلك تتسائل: كيف تمكّن من الكتابة بهذا الأسلوب السردي الفريد كإسمه؟
إن أقل ما نقدمه في ذكرى وفاته هي أن نبقيه حاضراً في ذاكرتنا ونقرأ من كتبه ما تيسر لنا.
أميرة صليبيخ