في ظل سعي الدول لفرض اللجوء إلى الوسائل البديلة وتحقيق العدالة التصالحية وسن القوانين التي تدعم فض المنازعات بالطرق السلمية والودية، حيث إن الطرق البديلة، أو بالأحرى لنسميها بالوسائل المناسبة لفاعليتها وميزاتها في الحد من الخصومة واستقرار كيان المجتمع، نجد أن من بينها الوساطة والتوفيق، حيث إن كلا الوسيلتين تُعلي سلطان إرادة أطراف النزاع، من خلال تحكمهم في نتائج اتفاق الصلح فيما بينهم، وتعد الوساطة والتوفيق آليتين متشابهتين لفض النزاع بالطرق السلمية والودية، إلا أنهما تختلفان في أمور بسيطة جداً.

حيث إن التوفيق الأسري يتميز بإلزاميته قبل الشروع في رفع الدعوى الشرعية ضمانة للوصول إلى حلول تصالحية مع كلا الطرفين المتنازعين، في حين أن الوساطة تُعد وسيلة اختيارية لكلا الطرفين حرية اللجوء إلى طرف ثالث محايد يسمى الوسيط قبل النزاع، أو في حين النزاع، أو خلال سير الدعوى القضائية الشرعية، ويُعد الموفق موظف حكومي في حين أن الوسيط يمتلك رخصة مزاولة الوساطة، ولكن كلاهما يؤدي الوظيفة نفسها ويسعى للنتيجة ذاتها، وهي التسوية الودية بين الأطراف المتنازعة.

وقد يرى البعض أن الوسيط لا يمكنه تقديم حلول واقتراحات من أجل تقريب وجهات النظر في حين أن الموفق بحكم خبرته بإمكانه بعد دراسة النزاع اقتراح حل لكلا الطرفين على ألا يكون ملزماً لهما، ومن وجهة نظري الخاصة أرتئي أنه متى ما كان الوسيط صاحب خبرة في النزاعات الأسرية وتمكن من سبر أغوار كلا الطرفين وفهم ما هي المعضلة الأساسية التي سببت النزاع بينها، فإنه بحكم خبرته بإمكانه أيضاً تقديم مقترحات وحلول للوصول إلى الصلح وتقريب وجهات النظر، على ألا تُكون ملزمة لأي طرف من أطراف النزاع.

ومما لا شك فيه أن نجاح الوسيلتين الوساطة أو التوفيق يكمن في شخص الطرف الثالث المحايد للنزاع، حيث إنه يتطلب منه أن يكون صاحب قدرة عالية في الإقناع، وأن يكون على علم تام بالموضوعات سبب النزاع بين الأطراف ليتمكن من تحليلها والوقوف على النتائج واستخلاص مطالب الأطراف بسرعة فائقة، بالإضافة إلى تقديمه حلولاً مقنعة لهما حتى يفض النزاع بينهما ويكون بذلك الوسيط أو الموفق قد وصل إلى النتيجة المرجوة، وهي ترابط الأسرة نواة المجتمع بفض الخصومة فيما بينهما.