إعداد: الدكتورة زينب عبدالهادي العبدالمحسن / استشارية طب العائلة والرضاعة الطبيعية
عندما يقترب وقت التجهيز النفسي والمعنوي لشهر رمضان المبارك تشعر الأم المرضع بمشاعر متناقضة منها الفرح والتوتر في نفس الوقت، بالذات إذا كانت هذه التجربة الأولى للأم في الرضاعة والصيام في نفس الوقت. الدراسات أثبتت أن الصيام لا يؤثر سلباً على المدى البعيد على نمو الطفل، وقد يؤثر على بعض محتويات الحليب من معادن وفيتامينات بشكل مؤقت.
الصيام من الفرائض التي سرعان ما يقلق الأم بأنه يؤثر سلباً على صحة جنينها أو رضيعها، وهذا أمر طبيعي لأن الأم تريد الأفضل لطفلها ولا تريد أن تسبب ضرراً له. لكننا ننسى أن للصيام آثاراً إيجابية فلله عز وجل حكمة، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
للصيام فوائد عديدة للأم المرضع؛ منها النزول في الوزن الزائد الذي يتجمع بعد الحمل، وهذا يمنع من إصابة الأم بأمراض العصر المزمنة مثل داء السكر وارتفاع الضغط. كما إن الصيام يساعد البدن على التخلص من السموم المتجمعة في الأعضاء الداخلية، ومثل ما نعلم أن حليب الأم يحتوي على العديد من محتويات ومواد موجودة في أعضاء الأم ومجرى الأوردة الدموية (كالأدوية التي تتناولها الأم). وهذا بحد ذاته يقلل من قابلية نقل هذه المواد إلى الرضيع. ومن الفوائد أيضاً التي تغفل عنها الكثير من الأمهات أن الصيام وتغيير الروتين اليومي المصاحب مع الشهر الفضيل يجبر الأم على التركيز على صحتها وتغذيتها بشكل أدق وأخذ قسط أكبر من الراحة بحجة الصيام وهذا ما يجب أن تقوم به الأم طول السنة وليس فقط في رمضان! للأسف أصبحت الحياة العصرية السريعة ليست في مصلحة الأم وتضطر الأمهات إهمال صحتن في ظل مواكبة متطلبات الحياة.
هناك بعض الصعوبات التي قد تواجه الأم المرضع أثناء الصيام، وهو تأثر الإدرار لديها وقلة إنتاج الحليب. قد تشعر الأم أيضاً بالإرهاق الشديد والخمول وصداع وعدم القدرة بأداء أعمالها اليومية. بالنسبة للرضيع قد تتفاوت الأعراض بين علامات الجوع الخفيفة وأعراض أكثر شديدة مثل الجفاف (قلة في التبول مع تغيير لون البول إلى الأصفر الداكن/ البرتقالي، قلة في الحركة، جفاف الفم). بعض الحالات الأعراض تكون غير واضحة ولكن يتبين أن نمو الطفل أقل من المتطلب وهذا يكون ملحوظ أكثر في حالات الرضع التي أعمارهم لا تتجاوز ٣-٤ أشهر، وحالات الرضاعة الطبيعية الحصرية. في حال حدوث أي أعراض شديدة يفضل كسر الصيام واستشارة الطبيب للتأكد على سلامة الأم والطفل.
لمعرفة الوضع الصحي مع الصيام للأم المرضع من الأفضل استشارة الطبيب قبل حلول الشهر الكريم للاستعداد له. هناك عوامل تعتمد على وضع الأم مثل وجود أمراض مزمنة، استخدام الأدوية، والحالة التغذوية لديها...وعوامل تعتمد على وضع الطفل مثل الفحص السريري ونموه، وجود أمراض مزمنة، إدخال الحليب الصناعي أو الأطعمة الصلبة مع الرضاعة أم لا وغيرها من بعض الأسئلة التي تساعد على اتخاذ القرار الصحيح للصيام مع الرضاعة.
في حال استطاعت الأم المرضع أن تصوم عليها بالاعتناء بوجباتها من ناحية الكمية والمحتوى، وعدم تأخير الفطور والعكس مع السحور. عليها أيضاً أن تتناول الأطعمة التي تزيد من إدرار الحليب مثل الشوفان والرطب، والأطعمة التي تقلل من فقدان السوائل من الجسم وتقلل قابلية الشعور بالعطش والجفاف مثل الموز وبذور الشيا. عليها أيضاً أن تقلل من الأعمال والمجهود قدر المستطاع في فترة الإمساك لكي تقلل من فقد الطاقة. بعض الأمهات يلجأ إلى الشفط (قبل رمضان) واستخدام الحليب المشفوط في الفترات التي يقل الإدرار خلال الصيام كحل مؤقت. ممكن أيضاً استخدام الحليب الصناعي كمساعدة مؤقتة إذا كانت الأم لا تريد الشفط أو لا تستطيع أن تقوم به.
وفي الختام نقول إن ديننا الحنيف دين يسر ورحمة؛ قال تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ (البقرة،٢٣٣). وجود الدعم المعنوي من الأهل (بالأخص الزوج) أيضاً له دور لمساندة الأم في هذه الفترة واتخاذ القرار كوحدة وليس كفرد، لأن ذلك يعزز رابطة الرضاعة الطبيعية بين الأم ورضيعها.