د. عائشة الشيخ




مسألة الحب والانفصال معضلة إنسانية معقدة، تتداخل فيها عوامل عديدة ومتشعبة، يعتمد بعضها على سمات شخصية المحبين، ومدى عمق العلاقة، ومدتها، وظروف الانفصال، ولكن تبقى حقيقة واحدة وحتمية وهي ضرورة المضي قدما في الحياة وتجاوز الأزمة، وربما البحث عن فرصة جديدة. ولكن السؤال المحوري الذي يحتاج إلى إجابة: من يعاني أكثر عند فشل الحب؟ ومن يتجاوز تلك الأزمة بصورة أفضل: الرجل أم المرأة؟

وبحسب الثقافة السائدة في أغلب المجتمعات، فقد كان يعتقد أن المرأة هي الأكثر معاناة، والأكثر تأثراً عند الانفصال أو بعد انتهاء العلاقة العاطفية، وذلك بحسب ما يميز المرأة من عاطفية وشفافية. وربما بدت المرأة كذلك أقل مقدرة على المضي لعلاقة جديدة ونسيان الماضي. انقلبت تلك الموازين والمعتقدات عندما خرج الباحثون من جامعة بيجهامتون الأمريكية وزملاؤهم من جامعة لندن بنتائج دراسة حديثة حول هذا الموضوع، شملت عينة تتكون من 5705 مشاركين من 96 دولة، حيث طلب منهم تحديد درجة أو مدى الألم النفسي والجسدي للانفصال عن الشريك أو الحبيب على مقياس من واحد إلى عشرة.

تبين أن النساء يتعرضن لتأثيرات سلبية جسدية ونفسية كبيرة بعد الانفصال، إلا أن مقدرتهن على التكيف والخروج من الألم أسرع بكثير من تلك التي يستغرقها الرجال، حيث تخرج النساء من تجربة الانفصال أكثر قوة وبتعافٍ تام. والغريب في الأمر أن تجارب الانفصال تلك رغم تأثيرها على تدني مستوى الثقة لديهن مؤقتًا، إلا أنها تعزز لديهن على المستوى الطويل معرفتهن ووعيهن المستقبلي لما يردنه من الرجل الجديد، ويساهم ذلك في إيجاد علاقات مثمرة وناجحة وفعالة.

وعلى عكس تكيف النساء، فقد أبرزت الدراسة أن تعامل الرجال مع شعور الانفصال مختلف تماماً، فتبين أنه يشعر بعض منهم بالتبلد الفكري «الشعور باللاشيء أو الفراغ العاطفي» فيما يلجأ بعض الآخر منهم إلى الإفراط في تعاطي الكحول، أو المخدرات، أو استعمال العنف الجسدي أو العنف اللفظي على من حولهم والشعور بالهيجان والغضب.وكل تلك السلوكات سلبية وتؤدي لتحطيم الذات.

وأوضحت الدراسة أيضا أن الرجل يعاني لفترة أطول من هذا الشعور المحبط من المرأة، ويحتاج إلى وقت أطول أيضاً في التفكير في علاقة جديدة مقارنة بالمرأة.

وأكثر النتائج غرابة على الإطلاق، أن الرجال يصابون بالحزن الشديد (أو ما يعرف باضطراب ما بعد الصدمة)، والذي يدخلهم في حالة من اليأس والبكاء والإحباط وتمني الموت! والذي قد يستمر لأكثر من سنة بعد الانفصال. وخصوصاً عند تفكير الرجل بقيمة ما فقد وفداحة الخسارة وعدم وجود ضمانات لما قد يعوض تلك الخسارة وبنفس الجودة والتوافق والراحة النفسية مع الشريك.