وليد عبدالله
مازال ملف مشاركة المنتخب الوطني الأول لكرة القدم في كأس آسيا بقطر مفتوحاً على جميع القراءات وسط حالة من الهدوء داخل أروقة بيت الكرة البحرينية، في متابعة لردود الفعل من الأصوات والآراء عقب انتهاء مشاركة الأحمر بخروجه من دور الـ16 للبطولة، والتي طالبت بتصحيح الوضع والمسار للمنتخب الوطني، وتقييم المشاركة بصورة فنية كاملة، وكذلك تقييم عمل المدرب الأرجنتيني خوان أنطونيو بيتزي في هذه البطولة.
وبعيداً عن أي حالة من ردود الفعل «العاطفية» التي تصاحب عادة مشاركات المنتخب في البطولات المختلفة، يجب قراءة المشهد بصورة متأنية ومتزنة وواقعية بعيداً عن تقاذف الآراء والمسؤوليات، لكي نتعرف على مكامن ما حدث في البطولة ويكون التقييم إيجابيا يصحح المسار ويستخلص المكاسب والإيجابيات.
وبنظرة على المشهد العام لمشاركة الأحمر في كأس آسيا، يجب الإدراك أن الهدف الموضوع والمعلن لهذه المشاركة لم يكن الفوز باللقب القاري بقدر ما كان الظهور المشرف، والاستفادة من هذه المشاركة في أن تكون محطة مهمة في إعداد منتخب يمضي بثبات نحو طريق الحلم الأحمر لبلوغ مونديال 2026، وخصوصا أن منتخبنا يمر حالياً بمرحلة انتقالية على مختلف الجوانب من حيث التعاقد مع جهاز فني جديد بقيادة الأرجنتيني خوان بيتزي قبل نحو 4 أشهر فقط من موعد البطولة الآسيوية، وذلك بعد حقبة استمرت أكثر من عامين من الاستقرار الفني مع المدرب البرتغالي هيليو سوزا، وما فرضه ذلك من تغييرات فنية في هيكلة وعناصر المنتخب بدخول مجموعة من العناصر الشابة والجديدة التي تمثل المنتخب للمرة الأولى وخروج مجموعة من الأسماء المعروفة التي مثلت المنتخب طيلة السنوات الأخيرة، وهو ما ترتب عليه حالة أشبه بـ«الاضطراب الفني»، الذي يجب التعامل معه بواقعية بعيداً عن الانفعالات، ومازاد الأمر صعوبة عدم ظهور العديد من اللاعبين المؤثرين بمستواهم المعهود في مباريات البطولة، عدا النجم الأبرز علي مدن، ما انعكس سلباً على المستوى العام للمنتخب.
ورسمت تلك المعطيات حقيقة أن مدرب منتخبنا بيتزي مازال بحاجة إلى وقت أطول من العمل للتعرف أكثر على مستويات وقدرات اللاعبين والجوانب الفنية، وهو ما اتضح في اختيارات المدرب للتشكيلة وكذلك مسيرة عمله مع المنتخب سواء في مباريات كأس آسيا أو المباريات التي سبقتها في التصفيات المزدوجة المؤهلة لكأس العالم 2026 وكأس آسيا 2027، رغم أن بيتزي ظل يراهن في كل مرة على ثقته ومعرفته وقناعته باختياراته للاعبين. وهذا يتطلب دوراً أكبر لمساندة العمل الفني من خلال دور وصلاحيات المدرب الوطني المساعد مريان عيد، ليكون حلقة وصل فاعلة ويمثل «العين الثالثة» للمدرب بيتزي التي تساهم في خلق «الهوية الفنية» للأحمر، وخصوصاً في مرحلة «الاستكشاف والاستقصاء» التي يعيشها الجهاز الفني الجديد مع منتخبنا.
وبقراءة في أوراق تشكيلة الأحمر الآسيوية يلاحظ أنها ضمت 16 لاعباً جديداً لم يسبق لهم المشاركة في كأس آسيا، فضلاً على كون أغلب المختارين يفتقدون الخبرة والاحتكاك لعدم خوضهم مواجهات من العيار الثقيل أمام منتخبات كاليابان وكوريا الجنوبية، فهم يحتاجون إلى مزيد من الخبرة والاحتكاك ومزيد من جرعات الثقة والشخصية الفنية.
وبالنظر الى المحصلة الرقمية لنتائج المنتخب في بطولة كأس آسيا نلاحظ أن المنتخب تمكن من صدارة مجموعته التي ضمت منتخبي كوريا الجنوبية الذي ودع من دور الثمانية والأردن الذي تأهل لنهائي هذه النسخة من البطولة القارية، وذلك بعد فوزيه على منتخبي ماليزيا والأردن مقابل خسارتين أمام كوريا في الدور الأول ثم اليابان في دور الـ16، وهما من أقوى المنتخبات الآسيوية، علما بأن منتخبنا لم يسبق له صدارة مجموعته في مشاركاته الآسيوية الماضية. وبالتالي فإن هذه النتائج تعتبر محصلة طبيعية ومرضية قياساً بالمعطيات الواقعية المتوافرة أمام المنتخب حالياً.
وبعيداً عن حيثيات ما حصل للأحمر في البطولة، فإن الوضع يتطلب الاستفادة من هذه المشاركة في النظر بعين ثاقبة نحو الأمام تستوجب عدم الانحراف عن رسم «خارطة طريق» للمنتخب لخوض المشاركات المهمة القادمة وأبرزها مشوار التصفيات المزدوجة، بجانب كأس «خليجي 26» في الكويت التي تحتاج إلى توفير البيئة المثالية من خلال عوامل مساعدة على عدة مسارات منها خلق الصبر والاستقرار الفني للمنتخب، شريطة أن يرافق ذلك حالة من المراجعة والمعالجة الفنية المستمرة من المختصين الفنيين لأي ملاحظات أو أخطاء قد تحصل، والاستفادة من تجاربنا السابقة التي أثبتت نجاح عامل الاستقرار في حقب المدربين السابقين كالمدرب ستريشكو ثم المدرب ماتشالا والمدرب سوزا، رغم المطبات التي تعرض لها المنتخب في تلك الفترات، بالإضافة إلى توفير عوامل مساعدة مثل تطوير مستوى الدوري واستنهاض وشحذ الهمم نحو أجواء إيجابية وظروف أفضل أمام المنتخب تمنح جرعات من التفاؤل، وخصوصاً أن عامل الوقت لن يسعفنا في إيجاد «ثورة سريعة» لتغيير واقعنا الكروي الحالي، الذي يحتاج إلى الكثير من العمل والاهتمام والدعم من الجهات المختلفة، وبالتالي فإن المسؤولية الوطنية تحتم على الجميع التكاتف والوقوف خلف المنتخب لتحقيق الحلم المونديالي الذي طال انتظاره.