التجديف المائي في النهر، أو ما يعرف بـ "الرافتينغ"، تجاوز كونه مجرد رياضة مائية ترفيهية شمالي لبنان، ليتحوّل في السنوات الأخيرة إلى أهم مورد اقتصادي لسكان المنطقة، ما أنعش قطاع السياحة فيها بشكل عام.
ومع أن هذه الرياضة الأوروبية التي تعتمد على التجديف في زوارق مطاطية مملوءة بالهواء، لا تعتبر حديثة الظهور في لبنان، إلا أنها استطاعت استقطاب عدد كبير من أبناء البلاد وحتى من السياح الأجانب، ممن يفضلون اختبار مغامرة مائية استثنائية. ** رحلة "شيقة" تتحدى نهر العاصيعلى ضفاف نهر "العاصي" الممتدّ على طول نحو 572 كم، والنابع من بلدة اللبوة في البقاع اللبناني (شرق)، تتناثر القوارب المطاطية الصغيرة، تصارع الأمواج تارة، ومستسلمة للتيار المائي الذي تصنعه الشلالات المنسابة على ارتفاع يصل إلى 7 أمتار.
محمد صعب؛ صاحبة أحد أندية "الرافتينغ" المنتشرة بالعشرات على طول ضفاف النهر، قال إن "هذه الرياضة بدأت في العاصي منذ 1993، غير أن انتشارها كان محدوداً للغاية".
وأضاف الجمعة، أن "الرافتينغ شهدت مع الوقت تطوّرا ملحوظا، خصوصاً في العقد الأخير، حيث بات النهر وجهة للسياح العرب والأجانب، فضلاً على أبناء لبنان، لممارسة سباق التجديف المائي".
رحلة تستغرق نحو ساعة ونصف من الزمن، وفق صعب، يقطع خلالها المركب المطاطي، الخاضع لجميع تدابير السلامة اللازمة، نحو 8 كيلومترات في النهر".ويتسع المركب لما بين 8 إلى 9 أشخاص، عادة ما يكونون مرفوقين بالمسؤول عن القيادة والتعليمات.
غير أن أكثر ما يميّز هذه الرحلة "الشيقة" على حدّ وصف صعب، هو ما يتخللها من أجواء حماسية نابعة من حس المغامرة المخيم عليها، علاوة على اللعب والتراشق بالمياه عند التقاطع مع مراكب أخرى.وعلاوة على بعدها الترفيهي، أشار صعب أن "الرافتينغ" تعدّ من الرياضات المهمة للغاية في "تقوية العضلات، وخصوصاً الأيدي"، نظراً للجهد المبذول في التجديف، إضافة إلى الحركة المتواصلة بفعل الأمواج وانسياب المياه.أما الشلالات الـ 5 الموجودة على خط الرحلة البحرية للزوارق، فهي من أهمّ عناصر "الإثارة" في هذه الرياضة. ففي الجزء الأخير من الرحلة، أي عند المرور على شلالات الدردارة المتدفقة على ارتفاع نحو 7 أمتار، تمتزج السماء للحظة مع الأرض، لتصنع لوحة بديعة تثير إعجاب ركاب الزورق، وتضفي على الرحلة بعدا جماليا رائقا.ومن أجل سلامة عشاق هذه الرياضة، لفت صعب إلى أن "ركاب الأمواج يرتدون ملابس خاصة، ويُجهّزون بمعدات لتأمين رحلتهم بنسبة 100 %، وهذا ما يتيح حتى لطفل في الرابعة من عمره" أن يمارسها دون خشية تعرضه لسوء.
جهود محلية للتطوير
أما في منطقة "الهرمل" البقاعية، هذا القضاء الذي يضم مجموعة قرى ترتفع عن البحر بين 900 إلى ألف متر، فقد سجلت "الرافتينغ" وصولها "منذ نحو 20 عاماً"، بحسب صعب.
انتشار محدود لرياضة أجنبية لم يكن لها تقاليد تذكر في المنطقة المتاخمة لمحافظة حمص السورية (شمال شرق)، حيث لم يتعدّى "عدد الذين تدرّبوا على أيدي لجنة فرنسية الـ 10 أشخاص".وبعودة هؤلاء المدرّبين إلى لبنان، يتابع صعب، بذلوا أقصى جهودهم لتدريب بقية الشباب، من أجل تطوير رياضة ينفرد بها نهر العاصي.ورغم ما اعتبره صعب "إهمالا" من قبل وزارات السياحة المتعاقبة، إلا أن الرياضة سرعان ما تطوّرت، لتكتسب صيتا استقطب الكثيرين.تطور ترجمه عدد أندية "الرافتينغ" بالمنطقة، من ناد وحيد عند ظهور اللعبة في 1993 إلى 20 حاليا، يستقبل الواحد منها في الأيام العادية من 30 إلى 45 شخصا يوميا.ونهاية الأسبوع، يرتفع عدد المقبلين على الرياضة ليتراوح بين 100 إلى 150 في كل ناد، وخصوصاً خلال موسم الرافتينغ الذي يبدأ مع حلول الربيع ويستمرّ حتى بداية الخريف.
نائب رئيس بلدية "الشواغير- الهرمل"، وائل صعب، قال إنّ "المنطقة إنتعشت سياحياً بفضل نوادي الرافتينغ والمطاعم التي يصل عددها إلى أكثر من 30 مطعماً ممتدة على طول نهر العاصي".
ورأى أن "الجهود التي يبذلها المعنيون، بالتعاون مع القوى الأمنية، ساهمت في رفع الإقبال المحلي والدولي على المنطقة"، لافتا أن "الرياضة تظل - مع ذلك- بحاجة للدعم الإعلامي خصوصاً من قبل وزارة السياحة اللبنانية".
وللمحافظة على نظافة نهر "العاصي" وعلى قدرته على استقطاب السياح، قال المسؤول الإداري إن بلدية المنطقة "شكّلت لجنة من السكان تعنى بهذا الجانب، وتحرص على عدم وقوع أي نوع من الإشكالات".
وبالنسبة له، فإن "الفضل في رفع أسهم السياحة بالمنطقة يعود للإعلام المحلي والعالمي الذي يتناول هذه الرياضة، ويعرّف بها، بما يشجع على الإقبال عليها".** "الرافتينغ".. نقطة جذب سياحية المفتشة بوزارة السياحة، رندة الباشا، قالت إنّ رياضة التجديف المائي أو "الرافتينغ" تعدّ من بين أبرز أنواع الرياضة السياحية المدرجة على لائحة "أفضل الأماكن اللبنانية الجديرة بالزيارة". نقطة جذب سياحية استطاعت، بمرور الوقت، استقطاب اهتمام السياح داخليا وخارجياً في لبنان.ولدعم الانتعاشة المنبثقة عن ارتفاع أعداد المقبلين على "الرافتينغ"، أضافت الباشا أن وزارتها "تقوم كل عام بطبع كتيّبات عن المرافق والمعالم والأماكن الطبيعية السياحة التي يجب على السائح زيارتها".
وفي السنوات الـ 5 الأخيرة، ركّزت الوزارة على "الرافتينغ" باعتبارها من الرياضات النادرة في لبنان، ما يجعلها وجهة لعشاق هذه الرياضة.ومع أنّ الباشا لم تقدّم أي أرقام حول إيرادات الرياضة أو مقدار مساهمتها في قطاع السياحة، إلا أنها لفتت إلى أن تمركزها في مناطق بالبقاع (شرق)، على غرار بحيرة القرعون، منح هذه المناطق حيوية خاصة، سيما في منطقة نهر العاصي، والتي تعتبر المقصد الرئيسي لعشاق الرياضة، نظراً لـ "غزارة المياه فيه".