أنفقت أندية كرة القدم الأوروبية مبالغ طائلة على الانتقالات هذا الصيف وصلت الى مستويات لم تعهدها سابقا، ما يطرح أسئلة عن العقلانية والمخاطر التي تقدم عليها أندية اللعبة الشعبية الأولى.
ولاقى الانفاق الأوروبي انتقادات من بعض مسؤولي الأندية أنفسهم، ومنهم رئيس نادي ليون الفرنسي جان ميشال أولاس الذي اعتبر ان "التطور الراهن للأسعار، كما الرواتب، يهدد استقرار كرة القدم الفرنسية وربما حتى كرة القدم الأوروبية".
وشكل نادي باريس سان جرمان الفرنسي المملوك من هيئة قطر للاستثمارات الرياضية، أبرز الناشطين في فترة الانتقالات الصيفية التي تنتهي في 31 أغسطس. فهو حطم الرقم القياسي العالمي بدفعه 222 مليون يورو لضم البرازيلي نيمار من برشلونة الاسباني، ويستعد - بحسب التقارير الصحافية - لانفاق 180 مليونا لضم المهاجم الشاب كيليان مبابي من موناكو.
وبعملية حسابية بسيطة، يتبين ان نيمار (25 عاما) الذي تردد انه سيتقاضى راتبا سنويا صافيا يقارب 30 مليون يورو، كلف النادي الفرنسي أكثر من كلفة بناء "أليانز أرينا"، ملعب نادي بايرن ميونيخ بطل ألمانيا، والذي يعد من أشهر ملاعب كرة القدم عالميا.
وقال الرئيس التنفيذي للنادي الالماني كارل هاينتس رومينيغيه "من الواضح ان أليانز أرينا هو أكثر أهمية بالنسبة الينا".
أضاف في تصريحات لصحيفة "بيلد" الالمانية "كوننا بايرن ميونيخ، علينا ان نتمتع بفلسفة مختلفة، لا نريد ان نجاري ذلك (هذا النسق السائد في الانفاق على اللاعبين) ولا يمكننا مجاراة ذلك".
الا ان بايرن نفسه، حامل لقب بطولة المانيا في المواسم الخمسة الماضية، وجد نفسه يحطم هذا الصيف رقمه القياسي السابق في سوق الانتقالات، بدفعه 41,5 مليون يورو (إضافة الى ستة ملايين كحوافز ومكافآت) لضم لاعب الوسط الفرنسي كورنتان توليسو من ليون، علما ان اللاعب شارك في مباراة دولية واحدة فقط.
سوق "واعدة"
ويرى الباحث في المركز الدولي للدراسات الرياضية لويك رافنيل ان "سوق (الانتقالات) لم تصبح مجنونة، لكنها واعدة بشكل كبير".
يضيف "هذا قطاع يشهد نموا دائما، والمستثمرون يشعرون انهم قادرون على تحقيق الأرباح فيه"، متابعا "لا أرى ان ثمة أسباب قد تدفع الى توقف نموه. هذه رياضة (كرة القدم) في ختام مسار تعولمها الشامل، وتثير الاهتمام حاليا في آسيا وحتى في أميركا الشمالية".
ويعتبر رافنيل ان ما تقوم به الأندية الأوروبية البارزة، ومنها برشلونة وريال مدريد الاسبانيان، قطبا مدينة مانشستر الانكليزية، أو حتى يوفنتوس الايطالي، هو "التنافس بالملايين لاستقطاب النجم المقبل، عدم تفويت فرصة الحصول عليه، وحرمان المنافسين منه".
ويرى ان ذلك يحصل من منطلق كروي ورياضي يقوم بالدرجة الأولى على إحراز لقب المسابقة القارية الأهم، أي دوري الأبطال، ولكن أيضا من منطلق قدرة هذا النجم على توفير عائدات ترويجية وحقوق بث تلفزيونية وعائدات دعائية، ما يساهم أيضا في رفع سعره.
وطور مركز الدراسات الرياضية برنامجا خوارزميا قادرا على تقييم أسعار اللاعبين بناء على معطيات عدة، منها أداؤه على أرض الملعب، وهامش التطور الذي يتمتع به، وقدرته الترويجية، وغيرها...
وبموجب هذا البرنامج، تبين ان "سعر" نيمار على سبيل المثال يصل الى 247,3 ملايين يورو، وهي قيمة مستندة بشكل كبير الى موهبته الكروية وقدرته الاعلانية والترويجية، لاسيما لكونه يتمتع بعشرات ملايين المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي.
أما مبابي الحديث العهد على الساحة الكروية، اذ يبلغ الـ 18 من العمر وشارك في موسم واحد فقط مع موناكو، فبلغ سعره "فقط" 101 مليون يورو بحسب هذا البرنامج.
لم يكن باريس سان جرمان النادي الوحيد الذي أنفق بشكل كبير في سوق الانتقالات هذا الصيف. فالأندية الانكليزية التي تستفيد من عائدات اتفاق ضخم بشأن البث التلفزيوني، أنفقت هذا الصيف مبلغا قياسيا وصل الى 1,17 مليار جنيه استرليني (1,57 مليار دولار)، بحسب ما أفادت الأسبوع الماضي شركة "ديلويت" للتدقيق.
وفي ظل هذه الأرقام الخيالية، تطرح الاسئلة حول مصير الأندية الصغرى وحتى المتوسطة، غير القادرة على المنافسة ماليا.
ويسأل الباحث رافنيل "هل يجب ان تؤول كل الأموال التي يتم انفاقها في سوق الانتقالات، الى اللاعبين ووكلاء أعمالهم، أم يمكن البحث عن عملية إعادة توزيع منطقية" تضمن للأندية الأصغر عائدات معينة تتيح لها البقاء في دائرة المنافسة على الأقل.
يضيف "في نهاية المطاف، (الاندية الأصغر حجما) هي التي تقوم بتنشئة هؤلاء اللاعبين وتقدم لهم فرصة للعب" قبل ان يصبحوا نجوما.