(د.ب.أ)في 27 حزيران/يونيو 2016 ، خسر المنتخب الإسباني لكرة القدم أمام نظيره الإيطالي (الآزوري) صفر / 2 في دور الثمانية لبطولة كأس أمم أوروبا الماضية (يورو 2016) بفرنسا ، كانت هذه الهزيمة كلمة النهاية في حقبة مثيرة من تاريخ الماتادور الإسباني.

وأحاط الشك وقتها بمستقبل هذا الفريق ، الذي أدهش العالم قبل سقوطه. وكان هذا هو الوقت المناسب لبدء عملية إعادة بناء الفريق.

ووقع اختيار الاتحاد الإسباني للعبة على المدرب جولين لوبيتيجي ليتولى هذه المهمة الصعبة.

وبالفعل ، أعاد لوبيتيجي المنتخب الإسباني في فترة وجيزة للغاية إلى زمرة المرشحين بقوة للفوز بلقب كأس العالم.

وقبل عامين من هذه الهزيمة أمام الآزوري ، قدم المنتخب الإسباني بقيادة مديره الفني السابق فيسنتي دل بوسكي الكثير من الأدلة على تراجع مستواه بشكل هائل حيث ودع الفريق بطولة كأس العالم 2014 من الدور الأول (دور المجموعات) .

ولكن ذكريات الفريق كانت توحي بإمكانية استعادة الفريق اتزانه بشكل لم يحدث من قبل.

وأشار الخبراء والمشجعون بأصابع الاتهام نحو دل بوسكي الذي سارع بالاستقالة من تدريب الفريق بعد ثماني سنوات قضاها في المسؤولية.

وكانت أربع من هذه السنوات الثماني مثمرة ورائعة للغاية وذلك بين عامي 2008 و2012 حيث تولى دل بوسكي المدير الفني السابق لريال مدريد مسؤولية الماتادور الإسباني في 2008 خلفا لمواطنه الراحل لويس أراجونيس الذي قاد الفريق للفوز بلقب كأس الأمم الأوروبية (يورو 2008) .

وقاد دل بوسكي الفريق للفوز بلقبي كأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا ويورو 2012 ولكن مسيرته مع الفريق انتهت فجأة حيث استقال في 2016 رغم رغبة الاتحاد الإسباني للعبة في استمراره مع الفريق.

وبدأت عملية البحث عن خليفة دل بوسكي وسط حالة من الارتباك والإحباط الممتزج بجدل هائل حول هوية المرشحين المحتملين.

وأخيرا ، وقع الاختيار على لوبيتيجي ، ولكن تعيينه مديرا فنيا للفريق في 21 تموز/يوليو لم يثر أي ضجة ولم يكن له أصداء كبيرة.

وكان لوبيتيجي حارسا لمرمى عدة أندية منها برشلونة وريال مدريد خلال مسيرته كلاعب. وحمل لوبيتيجي عبئا ثقيلا على ظهره نظرا للنتائج السيئة التي حققا الفريق قبل توليه المهمة وكذلك في ظل السيرة الذاتية غير القوية له مما قلص من أجواء التفاؤل بتوليه المسؤولية.

وكان لوبيتيجي مشهورا في الاتحاد الإسباني لعمله الجيد على مستوى منتخبات الشباب حيث سبق له تدريب منتخبات إسبانيا للشباب (تحت 19 عاما) و(تحت 20 عاما) و(تحت 21 عاما) ولكن مسيرته مع الأندية كانت متواضعة حيث لم يترك أي بصمة مع بورتو البرتغالي.

وسيطرت الشكوك على معظم المراقبين والمتابعين للمنتخب الإسباني.

ولكن لوبيتيجي جعل كل الأمور واضحة منذ البداية. وقال : "لن تكون هناك ثورة تغيير في الفريق ولكن ستكون هناك عملية تقييم".

ورفض لوبيتيجي هدم أو تمزيق الفريق بأكمله ثم إعادة البناء وفضل تعزيز وتقوية هيكل الفريق الذي أصابه الصدأ كما عمل على تدعيم أعمدة الفريق التي كانت جاهزة ومهيئة للعمل. وأكد لوبيتيجي ثقته في بعض عناصر الحرس القديم التي كانت لا تزال قادرة على العطاء للفريق مثل سيرخيو راموس وجيرارد بيكيه وسيرخيو بوسكيتس وديفي سيلفا وأندريس إنييستا.

وأضاف إلى هذه العناصر مواهب شابة مثل حارس المرمى ديفيد دي خيا وداني كارفاخال وإيسكو وماركو أسينسيو وساؤول نيجويز بهدف إعادة الثقة في قوة الفريق.

وقال لوبيتيجي إن المنتخب الإسباني لن يغير أسلوب لعبه بل إنه لجأ بالفعل إلى تطبيق نفس المقومات التي جعلت من المنتخب الإسباني فريقا قادرا على حصد الألقاب ومنها الاستحواذ بشكل هائل على الكرة والترابط الكبير بين اللاعبين والاعتماد على لاعبين في الجناحين يمكنهما الانطلاق بسرعة وبطول الملعب إضافة للاعتماد على عدد كبير من اللاعبين الموهوبين داخل الملعب.

وأثبتت النتائج صحة وجهة نظر لوبيتيجي وجودة عمله حيث تأهل المنتخب الإسباني لمونديال 2018 في روسيا عن جدارة بعدما تصدر المجموعة السابعة في التصفيات متفوقا على الآزوري.

وخلال مسيرته بالتصفيات ، حقق الفريق تسعة انتصارات وتعادلا واحدا. وكان من بين انتصاراته الفوز الكبير والثمين 3 / صفر على نظيره الإيطالي في الثاني من أيلول/سبتمبر 2017 . وكان هذا التاريخ نقطة تحول ليس فقط لتحقيق الفوز وإنما أيضا لكيفية تحقيقه.

وأنهى المنتخب الإسباني التصفيات برصيد 36 هدفا مقابل ثلاثة أهداف فقط اهتزت بها شباك الفريق ليكون بالتساوي مع المنتخب الإنجليزي أقل الفريق اهتزازا للشباك بالتصفيات الأوروبية المؤهلة للمونديال الروسي.

كما حافظ الماتادور الإسباني على سجله خاليا من الهزائم تحت قيادة لوبيتيجي حيث قاد هذا المدرب الفريق إلى 13 انتصارا وخمسة تعادلات.

وكانت أبرز انتصارات الفريق في الفترة الماضية ، خلال استعداداته للمونديال الروسي ، عندما اكتسح المنتخب الأرجنتيني 6 / 1 وديا في العاصمة الإسبانية مدريد أواخر آذار/مارس الماضي.

وبخلاف هذه الإحصائيات والأرقام ، ترك لوبيتيجي بصمته من خلال الحلول الخططية التي قدمها للفريق.

ودفع لوبيتيجي في بعض الأحيان بثلاثة لاعبين في قلب الدفاع فيما لعب في أحيان أخرى بخمسة لاعبين في خط الوسط كما لجأ أحيانا لتطبيق نظام ل بوسكي في اللعب بدون رأس حربة صريح.

ولم تكن هذه العودة السريعة والرائعة للمنتخب الإسباني شيئا يمكن إغفاله على ساحة كرة القدم العالمية كما أن قليلين فقط من يمنهم التشكيك في كون الماتادور الإسباني أحد المرشحين بقوة للقب المونديال الروسي.

وقال يواخيم لوف المدير الفني للمنتخب الألماني (مانشافت) : "المنتخب الإسباني لديه فريق متوازن للغاية ويتمتع بالخبرة مع أعظم إمكانيات فنية يمكن تخيلها".

وما يتبقى الآن هو معرفة ما إذا كان من الممكن أن يحالف الحظ المنتخب الإسباني مثلما حالفه في أكثر فترات نجاحه علما بأن الحظ هو العنصر الذي افتقده الفريق تماما في مونديال 2014 بالبرازيل ويورو 2016 بفرنسا.

كما تتبقى معرفة ما إذا كانت هذه التوليفة الجديدة للمنتخب الإسباني قادرة على المنافسة.

وفوق كل هذا ، سيكون الفريق بحاجة إلى ظهور أفضل لاعبيه بأعلى مستوياتهم في المونديال الروسي وهو أمر لا يبدو مضمونا تماما في نهاية موسم طويل وشاق.

وقال لوبيتيجي : "كمبدأ عام ، الشيء الوحيد الذي يزعجني هو لياقة جميع اللاعبين ومشاركتهم مع أنديتهم".

وحتى الآن ، جدد لوبيتيجي ثقة الفريق بنفسه وأعاد احترام المنافسين له كما أعاد تفاؤل المشجعين بفريقهم. وهذا بالفعل يمثل نصرا هائلا للوبيتيجي حتى الآن.