(د ب أ)
بعد سنوات طويلة شهدت العديد من الاخفاقات للفريق في التسعينيات من القرن الماضي وبداية القرن الحالي ، باستثتاء الفوز بلقب بطولة كأس أمم أمريكا الجنوبية (كوبا أمريكا 1995) ، كان تولى المدرب أوسكار تاباريز مسؤولية منتخب أوروجواي في 2006 بمثابة نقطة البداية لمرحلة جديدة في تاريخ هذا الفريق.
وعلى مدار السنوات الماضية ، لم يعد أوسكار تاباريز ، مجرد مدرب للفريق بل إنه أصبح أكثر من هذا كثيرا كما أصبح المدرب صاحب العدد الأكبر من المباريات مع أي منتخب وطني واحد على مدار التاريخ.
واشتهر تاباريز بأنه العقل المدبر لخطة إعادة منتخب أوروجواي "السماوي" إلى قمة كرة القدم العالمية واستعادة ثقة المشجعين بالفريق.
وولد تاباريز في مونتفيديو عاصمة أوروجواي عام 1947 وجمع جنبا إلى جنب مسيرته كمدافع محترف ووظيفته المختلفة تماما عن مجال الرياضة حيث كان معلما بالمرحلة الابتدائية في عدة مدارس بضواحي مونتفيديو المتواضعة. ومن هنا ، جاء لقب "المعلم" الذي اشتهر به تاباريز.
وبعد توليه تدريب بيلا فيستا ودانوبيو ومونتفيديو واندررز ومنتخب أوروجواي للشباب (تحت 20 عاما) ، كان فوزه مع فريق بينيارول بلقب كأس ليبرتادوريس في 1987 هو ما لفت إليه الأنظار دوليا.
وعبر تاباريز حدود أوروجواي ليدرب ميلان الإيطالي في 1996 وبوكا جونيورز الأرجنتيني في الفترة من 1991 إلى 1993 وفي عام 2002 وديبورتيفو كالي الكولومبي وكالياري الإيطالي وأوفيدو الإسباني وفيليز سارسفيل الأرجنتيني.
ويعود مدربو كرة القدم إلى تدريب الأندية عندما يتركون بصمة معها فقط ، وسنحت الفرصة لتاباريز مجددا لتدريب منتخب أوروجواي بعدما قاد الفريق في الماضي لنهائي كوبا أمريكا عام 1989 ولدور الستة عشر في بطولة كأس العالم 1990 بإيطاليا.
وعندما عاد لتدريب الفريق في 2006 ، كانت لديه خطة قدمها في بداية عمله مع الفريق تحت عنوان "إضفاء الطابع المؤسسي على عمل المنتخب الوطني وتطوير أداء اللاعبين".
وأصبحت هذه "التجربة" نقطة تحول في تاريخ منتخب أوروجواي. وكان من أبرز مفاتيح هذه التجربة أن القيم الإنسانية أكثر أهمية من الاعتبارات الكروية.
وقال تاباريز ، في مقابلة تلفزيونية في نوفمبر الماضي ، : "الكلمة المقدسة للطاقم الفني في فريقي هي الاحترام. أول شيء نعلمه للصبية في سنة الثالثة عشر لدى وصولهم هو ضرورة أن يقولوا : مرحبا ، عندما يذهبون لأماكن فيها أناس آخرون حتى وإن لم يكونوا يعرفونهم ثم نعلمهم قول : شكرا للشخص الذي يغسل ملابسهم وللشخص الذي يحضر طعامهم.... وهكذا ".
ويمتلك منتخب أوروجواي تاريخا كرويا حافلا وهائلا حيث توج بلقب كأس العالم مرتين في 1930 و1950 كما فاز بالميدالية الذهبية للعبة في دورتي الألعاب الأولمبيتين عامي 1924 و1928 .
ورغم هذا ، مر الفريق بمرحلة صعبة في تاريخه خلال حقبة التسعينيات من القرن الماضي وبداية القرن الحالي باستثناء فوزه بلقب كوبا أمريكا 1995 .
وتلقى الفريق في هذه الفترة أكثر من لطمة كما غاب عن بطولات كأس العالم في 1994 و1998 و2006 .
وتباينت الأسباب المرجحة لكبوة الفريق ومنها النزاعات والصراعات الداخلية وتواضع التنظيم المؤسسي باتحاد كرة القدم في أوروجواي والتغيير المستمر في مدربي منتخب أوروجواي وأسلوب لعب الفريق وضعف التواصل بشكل هائل بين الفريق ومشجعيه المتشائمين.
وهذا هو ما سعى تاباريز من خلال "تجربته" إلى وضع حد له. وبعد مرور 12 عاما على بدء تنفيذ هذه "التجربة" ، قليلون فقط من يستطيعون التشكيك في نجاحها.
وتولى تاباريز مسؤولية جميع منتخبات أوروجواي بمختلف المراحل السنية مما ساعده على تطبيق نموذج واحد فقط على كل هذه المنتخبات.
واستبعد تاباريز من الفريق اللاعبين الكبار الذين لم يظهروا الإخلاص والولاء للفريق والذي رأى تاباريز أنه أمر ضروري للنهوض بالفريق.
وبشكل تدريجي ، استبدل تاباريز هؤلاء اللاعبين بجيل صاعد من اللاعبين شكلوا الأعمدة الأساسية للفريق مثل لويس سواريز وإدينسون كافاني ودييجو جودين.
وربما كان الإنجاز الأكبر لتاباريز هو إعادة هيبة وكبرياء الفريق وقدرته على إثارة وجذب المشجعين.
ولهذا ، تتوقف الحياة في أوروجواي مع كل مباراة يخوضها الفريق كما تحتفل الجماهير بالانتصارات المهمة والكبيرة في الشوارع والميادين.
وكان النجاح على أرض الملعب وخاصة الفوز بالمركز الرابع في بطولة كأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا ولقب كوبا أمريكا 2011 جوهريا وحاسما في عملية استعادة هيبة وكبرياء هذا الفريق.
وقال تاباريز ، في المقابلة ، : "هذا هو نتيجة جهد أناء كثيرين خاصة اللاعبين الذين كانوا جزءا من مراحل عديدة في هذه التجربة".
وازداد حجم أسطورة تاباريز في مونديال 2014 بالبرازيل والذي شهد إيقاف سواريز بسبب "عضه" جورجيو كيليني مدافع المنتخب الإيطالي (الآزوري) خلال مباراة الفريقين في الدور الأول للبطولة.
وانتقد تاباريز الاتحاد الدولي للعبة (فيفا) في كلمة مؤثرة نالت استحسانا وترحيبا حارا من مراسلين عديدين.
وقال تاباريز : "كلنا نعلم من لديه القوة. إنه أمر لا يقبل النقاش. السلطة في أيدي المنظمين. لكن هذا لا يعني أننا سنقبل سوء استغلال السلطة. وأختص بحديثي اللجنة أو العضو المنوط بتطبيق العدالة. كدرب وكمعلم خلال حياتي ، أرى أمامي نظرية كبش الفداء. كل من قرأ عن الحالة المعنوية للمجموعة ، سيعلم هذا".
وظهر الإعجاب والإخلاص لتاباريز جليا من خلال المساندة والمودة التي نالها عندما بدأت مشاكله الصحية.
ورغم معاناته الصحية ، كان المنتخب واضحا وصريحا في التأكيد على أن قرار اعتزاله أو رحيله عن تدريب الفريق بيده هو فقط.
وكما هو منتظر في هذا البلد الشغوف بكرة القدم ، كان تاباريز هدفا لبعض الانتقادات بسبب أسلوب اللعب الذي يطبقه والذي يعتمد على الكفاءة والفعالية أكثر من الابتكار وكذلك بسبب طريقة تعامله مع الصحافة حيث دأب على تقديم إجابات حادة في المؤتمرات الصحفية.
وربما لن تستمر الدروس التي لقنها تاباريز للاعبيه مدى الحياة ولكن إرث هذه "التجربة" أو "العملية" سيظل في عقول المواطنين في أوروجواي لفترة طويلة قادمة.