أحمد عطا
في نوفمبر من عام 2017 كان دانييلي دي روسي يصرخ في مساعد مدرب المنتخب الإيطالي مطالبًا بعدم اشتراكه والاستعانة بدلاً من ذلك بلاعب هجومي أكثر لإنقاذ الأتزوري من كارثة عدم الانتصار على السويد وبالتالي عدم التأهل لنهائيات كأس العالم في روسيا.
وبعد 23 شهراً إيطاليا ليست فقط تتأهل لنهائيات يورو 2020 بل تتأهل بالعلامة الكاملة عقب فوزها على اليونان بهدفين نظيفين لتكمل 7 مباريات متتالية من الانتصار.
ما بين فينتورا الذي خرج بإيطاليا من تصفيات كأس العالم ومانشيني الذي قاد الأتزوري إلى اليورو تكمن الكثير من التفاصيل المختلفة.
يمكن أن تستشف كيف يفكر مانشيني من خلال تصريح خرج به خلال المؤتمر الصحفي الذي سبق مباراة اليونان حين قال "إنسيني لاعب بجودة عالية. بشكل عام إن قضى وقتاً طويلاً وبذل مجهوداً كبيرًا في العودة للخلف، فإنه يفقد حدته وقدرة على أن يكون غير متوقع في الهجوم، لذلك نريده أن يعمل مع الفريق لكن كذلك أن يركز أكثر على التقدم للأمام. هذا يعتمد على زملائه أيضاً، فإن كان الفريق ككل يضغط للأمام ولا يدافع عميقًا بشكل زائد، فإن المهاجمين لا يهدرون الكثير من الطاقة للعودة للخلف للمساعدة".
إذاً لورينزو إنسيني تحول من لاعب يجلس على دكة البدلاء ولا يشترك مع فينتورا الذي يريد الدفع بلاعب الوسط المدافع دانييلي دي روسي بدلاً منه في مباراة يحتاج الطليان فيها للانتصار ولا شيء غيره، إلى لاعب يفكر مدربه في كيفية الاستفادة منه هجوميًا بأفضل شكل ممكن.
الحديث هنا ليس عن إنسينيي تحديدًا وإنما عن عقلية مانشيني الذي يريد من فريقه ألا يدافع من مناطق أكثر عمقًا وأن يخرج ككتلة واحدة ليدافع من مناطق متقدمة أكثر لإتاحة الفرصة للاعبين كإنسيني وغيره لتركيز جهودهم على الهجوم وهو تفكير عصري جدًا وأصبح موضة هذا العصر بشكل عام، لكن هل هذا الأمر لعيون الهجوم فقط؟
لا تنسَ أننا هنا لا نتحدث عن فريقٍ عادي بل أنت تتحدث عن منتخب قدم للعالم فرانكو باريزي، جنتيلي، باولو مالديني، أليساندرو نيستا، باولو كانافارو.. منتخب لا يُعد فيه جيورجيو كيليني وأندريا بارزالي من أساطيره الدفاعية بينما هم يفوقون في المستوى أساطير بعض المنتخبات الكبيرة الأخرى.
لكن هذا المنتخب توقف كذلك عن إنتاج مثل هؤلاء المدافعين الكبار فكفت أرحام الإيطاليات عن تقديم مثل هذه العينات المبهرة من المدافعين بل إن المنظومة اليوفنتينية "كيليني - بونوتشي – بارزالي" حتى لم تعد متاحة وبات الموجود والمتاح مدافعين عاديين، ليسوا بالسيئين لكن في نفس الوقت لا يمكن أن يُعال عليهم لبناء أسلوب لعب اشتهر به الإيطاليون لفترات طويلة وهو أن تكون ردة فعل وتجعل المنافس يجن جنونه أملاً في الوصول لمرماك بينما أنت تحضّر للفوز على نارٍ هادئة مطمئنًا إلى أن تأخرك في النتيجة لن يحدث بنسبة كبيرة.
يبدو وأن مانشيني فهم هذا الأمر جيداً.. فهمه خاصة وأنه كذلك يدرك جيداً أن إيطاليا كذلك كفت عن إنتاج المهاجمين الذين يسجلون من أنصاف الفرص والقادرين على ترجمة عدد الهجمات القليلة نسبيًا إلى أهداف وبالتالي بعد أن تعطل الجزء الأول من الخطط الإيطالية الدفاعية العتيقة معطلاً، صار الجزء الثاني الهجومي هو الآخر في خبر كان.
الخط الوحيد الذي أفلت من شح المواهب في إيطاليا كان خط الوسط.. لم تطل فترة الجفاف فكان من حسن حظ مانشيني أن جورجينيو وفيراتي كانوا شبانًا بما فيه الكفاية وقت كارثة السويد ليشتد عودهما أكثر في فترتنا الحالية، ومع بروز لاعبين مثل ثنائي الإنتر نيكولا باريلا وستيفانو سينسي بات هناك اطمئنان على وسط إيطاليا.
لذلك لم تعد إيطاليا تلجأ للحلول المباشرة كالكرات الطولية التي تصيب وتخيب، بل صارت أكثر ميلًا للاستحواذ على الكرة وتدويرها وإطالة زمن الهجمة، لم لا وهي تمتلك خط وسط جيد وكذلك تحتاج لإبعاد الخطورة لأكبر فترة ممكنة عن دفاعاتها وكذلك لا يمكن لها أن تستعجل إيصال الكرة إلى الخطوط الأمامية دون مساندة كافية من الخطوط الخلفية، أولًا للسبب الذي ذكره مانشيني عن إنسيني واللعب ككتلة واحدة متقدمة وكذلك لأنه لم يعد هناك روبيرتو باجيو وفرانشيسكو توتي وفيليبو إنزاجي ممن يستطيعون التغلب على مسألة نقص الأعداد في المناطق الهجومية والتسجيل من أنصاف الفرص.
لم يقل استحواذ إيطاليا في مبارياتها السبعة التي لعبتها خلال التصفيات حتى الآن عن 59% بل إنها تجاوزت الـ60% في 6 مباريات والـ70% في مباراتين وهي نسب لم نعتدها من الأتزوري طوال تاريخه حتى أمام المنتخبات الأقل قيمة التي واجهها في التصفيات.. غير مقتنع؟ ماذا عن مواجهة البرتغال في دوري الأمم الأوروبية (الذي توج برازيل أوروبا بطلاً له فيما بعد) وتحقيق نسبة 65% من الاستحواذ في تلك المباراة؟ الحديث هنا ليس عن مدح أو ذم في هذا الأسلوب قدر ما هو وصف للحالة التي يعمل عليها الرجل الذي توج بطلًا للدوري كمدرب مع الإنتر والسيتي.
يبقى السؤال هو، هل أصبحت إيطاليا بخير؟ وبرأيي أن مانشيني أجاب عن هذا السؤال بدقة عندما قال إن إيطاليا ليست بعيدة كثيراً عن المنتخبات الأفضل في أوروبا.. وبالفعل، إيطاليا لم تستعد بعد مكانتها ضمن كبار أوروبا ومايزال عليها تحسين دفاعاتها وقدرتها على إنهاء الهجمات بشكل مميز لكن المؤكد كذلك أنها لم تعد تعاني كما كانت في السنوات التي سبقت وصول مانشيني الذي كان محظوظًا بظهور بعض المواهب المهمة في سماء الكالتشو والتي ساعدته في عملية إعادة بناء هذا المنتخب وإن كان هذا التصريح مُحبطاً لك وتطمح في المزيد لرغبتك في مشاهدة إيطاليا بطلًا لليورو القادم فإن مانشيني –الذي اعترف بأنه يعجبه اللون الأزرق أكثر من الأخضر الذي ارتداه فريقه أمام اليونان- قال إن الأتزوري يسعى لأن يفوز بيورو 2020.. لنرى إن كان سيفعلها أم لا.
في نوفمبر من عام 2017 كان دانييلي دي روسي يصرخ في مساعد مدرب المنتخب الإيطالي مطالبًا بعدم اشتراكه والاستعانة بدلاً من ذلك بلاعب هجومي أكثر لإنقاذ الأتزوري من كارثة عدم الانتصار على السويد وبالتالي عدم التأهل لنهائيات كأس العالم في روسيا.
وبعد 23 شهراً إيطاليا ليست فقط تتأهل لنهائيات يورو 2020 بل تتأهل بالعلامة الكاملة عقب فوزها على اليونان بهدفين نظيفين لتكمل 7 مباريات متتالية من الانتصار.
ما بين فينتورا الذي خرج بإيطاليا من تصفيات كأس العالم ومانشيني الذي قاد الأتزوري إلى اليورو تكمن الكثير من التفاصيل المختلفة.
يمكن أن تستشف كيف يفكر مانشيني من خلال تصريح خرج به خلال المؤتمر الصحفي الذي سبق مباراة اليونان حين قال "إنسيني لاعب بجودة عالية. بشكل عام إن قضى وقتاً طويلاً وبذل مجهوداً كبيرًا في العودة للخلف، فإنه يفقد حدته وقدرة على أن يكون غير متوقع في الهجوم، لذلك نريده أن يعمل مع الفريق لكن كذلك أن يركز أكثر على التقدم للأمام. هذا يعتمد على زملائه أيضاً، فإن كان الفريق ككل يضغط للأمام ولا يدافع عميقًا بشكل زائد، فإن المهاجمين لا يهدرون الكثير من الطاقة للعودة للخلف للمساعدة".
إذاً لورينزو إنسيني تحول من لاعب يجلس على دكة البدلاء ولا يشترك مع فينتورا الذي يريد الدفع بلاعب الوسط المدافع دانييلي دي روسي بدلاً منه في مباراة يحتاج الطليان فيها للانتصار ولا شيء غيره، إلى لاعب يفكر مدربه في كيفية الاستفادة منه هجوميًا بأفضل شكل ممكن.
الحديث هنا ليس عن إنسينيي تحديدًا وإنما عن عقلية مانشيني الذي يريد من فريقه ألا يدافع من مناطق أكثر عمقًا وأن يخرج ككتلة واحدة ليدافع من مناطق متقدمة أكثر لإتاحة الفرصة للاعبين كإنسيني وغيره لتركيز جهودهم على الهجوم وهو تفكير عصري جدًا وأصبح موضة هذا العصر بشكل عام، لكن هل هذا الأمر لعيون الهجوم فقط؟
لا تنسَ أننا هنا لا نتحدث عن فريقٍ عادي بل أنت تتحدث عن منتخب قدم للعالم فرانكو باريزي، جنتيلي، باولو مالديني، أليساندرو نيستا، باولو كانافارو.. منتخب لا يُعد فيه جيورجيو كيليني وأندريا بارزالي من أساطيره الدفاعية بينما هم يفوقون في المستوى أساطير بعض المنتخبات الكبيرة الأخرى.
لكن هذا المنتخب توقف كذلك عن إنتاج مثل هؤلاء المدافعين الكبار فكفت أرحام الإيطاليات عن تقديم مثل هذه العينات المبهرة من المدافعين بل إن المنظومة اليوفنتينية "كيليني - بونوتشي – بارزالي" حتى لم تعد متاحة وبات الموجود والمتاح مدافعين عاديين، ليسوا بالسيئين لكن في نفس الوقت لا يمكن أن يُعال عليهم لبناء أسلوب لعب اشتهر به الإيطاليون لفترات طويلة وهو أن تكون ردة فعل وتجعل المنافس يجن جنونه أملاً في الوصول لمرماك بينما أنت تحضّر للفوز على نارٍ هادئة مطمئنًا إلى أن تأخرك في النتيجة لن يحدث بنسبة كبيرة.
يبدو وأن مانشيني فهم هذا الأمر جيداً.. فهمه خاصة وأنه كذلك يدرك جيداً أن إيطاليا كذلك كفت عن إنتاج المهاجمين الذين يسجلون من أنصاف الفرص والقادرين على ترجمة عدد الهجمات القليلة نسبيًا إلى أهداف وبالتالي بعد أن تعطل الجزء الأول من الخطط الإيطالية الدفاعية العتيقة معطلاً، صار الجزء الثاني الهجومي هو الآخر في خبر كان.
الخط الوحيد الذي أفلت من شح المواهب في إيطاليا كان خط الوسط.. لم تطل فترة الجفاف فكان من حسن حظ مانشيني أن جورجينيو وفيراتي كانوا شبانًا بما فيه الكفاية وقت كارثة السويد ليشتد عودهما أكثر في فترتنا الحالية، ومع بروز لاعبين مثل ثنائي الإنتر نيكولا باريلا وستيفانو سينسي بات هناك اطمئنان على وسط إيطاليا.
لذلك لم تعد إيطاليا تلجأ للحلول المباشرة كالكرات الطولية التي تصيب وتخيب، بل صارت أكثر ميلًا للاستحواذ على الكرة وتدويرها وإطالة زمن الهجمة، لم لا وهي تمتلك خط وسط جيد وكذلك تحتاج لإبعاد الخطورة لأكبر فترة ممكنة عن دفاعاتها وكذلك لا يمكن لها أن تستعجل إيصال الكرة إلى الخطوط الأمامية دون مساندة كافية من الخطوط الخلفية، أولًا للسبب الذي ذكره مانشيني عن إنسيني واللعب ككتلة واحدة متقدمة وكذلك لأنه لم يعد هناك روبيرتو باجيو وفرانشيسكو توتي وفيليبو إنزاجي ممن يستطيعون التغلب على مسألة نقص الأعداد في المناطق الهجومية والتسجيل من أنصاف الفرص.
لم يقل استحواذ إيطاليا في مبارياتها السبعة التي لعبتها خلال التصفيات حتى الآن عن 59% بل إنها تجاوزت الـ60% في 6 مباريات والـ70% في مباراتين وهي نسب لم نعتدها من الأتزوري طوال تاريخه حتى أمام المنتخبات الأقل قيمة التي واجهها في التصفيات.. غير مقتنع؟ ماذا عن مواجهة البرتغال في دوري الأمم الأوروبية (الذي توج برازيل أوروبا بطلاً له فيما بعد) وتحقيق نسبة 65% من الاستحواذ في تلك المباراة؟ الحديث هنا ليس عن مدح أو ذم في هذا الأسلوب قدر ما هو وصف للحالة التي يعمل عليها الرجل الذي توج بطلًا للدوري كمدرب مع الإنتر والسيتي.
يبقى السؤال هو، هل أصبحت إيطاليا بخير؟ وبرأيي أن مانشيني أجاب عن هذا السؤال بدقة عندما قال إن إيطاليا ليست بعيدة كثيراً عن المنتخبات الأفضل في أوروبا.. وبالفعل، إيطاليا لم تستعد بعد مكانتها ضمن كبار أوروبا ومايزال عليها تحسين دفاعاتها وقدرتها على إنهاء الهجمات بشكل مميز لكن المؤكد كذلك أنها لم تعد تعاني كما كانت في السنوات التي سبقت وصول مانشيني الذي كان محظوظًا بظهور بعض المواهب المهمة في سماء الكالتشو والتي ساعدته في عملية إعادة بناء هذا المنتخب وإن كان هذا التصريح مُحبطاً لك وتطمح في المزيد لرغبتك في مشاهدة إيطاليا بطلًا لليورو القادم فإن مانشيني –الذي اعترف بأنه يعجبه اللون الأزرق أكثر من الأخضر الذي ارتداه فريقه أمام اليونان- قال إن الأتزوري يسعى لأن يفوز بيورو 2020.. لنرى إن كان سيفعلها أم لا.