أحمد عطا

ربما كان يوم الجمعة الماضي يوما عاديا في عالم دوري الدرجة الثالثة الإسبانية.. في الحقيقة هو كان يوما عاديا في كل الدوريات الأوروبية صغرت كانت أو كبرت، إلا بالنسبة لنادي قرطبة الإسباني.

إذ انتقلت ملكية النادي رسميا إلى شركة انفينيتي كابيتال البحرينية ليفتح آفاقا جديدة للنادي الأندلسي الذي تواجد في الدرجة الأولى الإسبانية مرة وحيدة في آخر 47 عاما قبل أن يعود أدراجه للدرجة الثانية والثالثة كما اعتاد في أغلب تاريخه.

رغم ذلك إلا أن قرطبة يمتلك ملعبا جيداً إذ يتسع لقرابة الـ26 ألف متفرج تقدمهم رئيس النادي الجديد، البحريني عبد الله الزين وأمين عام اللجنة الأولمبية محمد النصف خلال لقاء الفريق الأول تحت الملكية الجديدة والذي جمعه بفريق ماربيا، وشاءت الصدف بأن يتعرض قرطبة لهزيمته الأولى على ملعبه هذا الموسم، أبعدته قليلاً الاقتراب من المراكز المؤهلة للصعود للدرجة الثانية التي هبط منها في الموسم الماضي.

قرطبة كان أحد محطات عدة مدربين معروفي الاسم في ساحة الكرة الإسبانية، نذكر منهم لوكاس ألكاراس الرجل الذي مر على عدة أندية في الدرجة الأولى كنادي ليفانتي وغرناطة كما درب أندية أخرى معروفة كألميريا وإلتشي ومورسيا وخيريز ولا ننسَ تدريبه لمنتخب الجزائر قبل عامين ونصف تقريباً.

وبعيداً عن مدربين آخرين مرا على النادي ولعبا لفريقين مشهورين كألبرت فيرير مع برشلونة وميروسلاف ديوكيتش مع فالنسيا فإن قرطبة كان أحد نقاط الانطلاق الحقيقية في مسيرة مدرب اشتهر اسمه بين متابعي الليغا وهو باكو خيميز الذي درب قرطبة في مرتين منها المرة التي سبقت صعود اسمه بقوة خلال تجربته مع رايو فاييكانو.

عشاق قرطبة سيأملون في أن يستعيد النادي عصره الذهبي مع مالكيه الجدد البحرينيين وهو العصر الذي كان في ستينات القرن الماضي بعدما استمر في الدرجة الأولى الإسبانية لـ 7 مواسم متتالية أهمها عندما احتل المركز الخامس في موسم 1964/1965 لكن لم يسمح له باللعب في كأس الاتحاد الأوروبية لأسباب تتعلق بالبنية التحتية للمدينة، كما أن مستواه الجيد في تلك الفترة سمح له بالوصول لنصف نهائي كأس ملك إسبانيا موسم 1966/1967.

ويقع نادي قرطبة في إقليم الأندلس، لكن الأندلس كان شاهدا على تجربة فاشلة مع نادي ملقة الذي اشتراه مالك خليجي آخر هو القطري عبد الله بن ناصر آل ثاني فقام بضخ أموال سريعة نجح معها النادي في شراء أكثر من نجم كخواكين سانشيز وسانتي كازورلا وإيسكو وغيرهم ليصل للمراكز المؤهلة لدوري الأبطال للمرة الأولى في تاريخ النادي ويصل في موسم تاريخي لربع نهائي دوري الأبطال قبل أن يودع البطولة بخسارة دراماتيكية أمام بروسيا دورتموند.

لكن منذ تلك اللحظة والنادي بدأ في التراجع من جديد بعد أن توقف المالك عن ضخ الأموال والاستثمار ليبدأ في بيع نجومه سريعا ما سبب انهيارا سريعا للنادي الذي هبط بعدها بفترة قصيرة إلى الدرجة الثانية.

الأمر يبدو مختلفا في نادي قرطبة فالاستثمار يبدو مدعوماً بإستراتيجيات مؤسساتية وليس بشكل فردي من أحد الأشخاص كما حدث في ملقة الذي لم يكن التجربة الخليجية الوحيدة في الأندلس ففي الوقت الحالي يمتلك السعودي المستشار تركي آل الشيخ نادي ألميريا الذي يحتل مركز الوصافة في الدرجة الثانية الإسبانية والذي يسمح بتأهل النادي الأحمر والأبيض إلى الدرجة الأولى ( لاليغا ).

أي أنه في عقدٍ واحد من الزمان امتلك العرب 3 أندية في الأندلس وكأن علاقتهم بتلك الرقعة من إسبانيا لا تريد أبدا أن تنقطع بعد أن حكموها لقرون طويلة ولا تزال آثارهم واضحة في معالمها وأسماء مدنها.

لا يوجد شيء يدفع المتابع لليأس من فكرة شراء نادٍ في الدرجة الثالثة الإسبانية (الدرجة الثانية - ب - إن شئنا الدقة في المسميات)، فهناك عدة تجارب تؤكد أنه بالتخطيط السليم والاستثمار الذكي يمكن تحقيق النجاح.

ففي إيطاليا مثلا تمكن بارما الإيطالي من نفض غبار إفلاس النادي وسقوطه في غياهب الدرجة الرابعة عقابا له على هذا التعثر المالي، وذلك بعدما نجح في الصعود للسيري آ الإيطالية من جديد دون أن يتوقف لعامٍ واحد في أي من الدرجات الدنيا بل احتاج لموسم واحد في كل درجة ليتمكن من الصعود للدرجة التالية.

ولماذا نذهب بعيدا بينما هناك تجربة عربية ناجحة تماما من كافة الأركان تكمن هناك في بلاد الضباب حيث شمال الجزر البريطانية وتحديدًا في مدينة شيفيلد عندما استحوذ السعودي الأمير عبد الله بن مساعد آل سعود على حصة 50% من نادي شيفيلد يونايتد في عام 2013 ومنذ عام 2014 بدأ النادي في التطور ليصل إلى نصف نهائي كأس إنجلترا قبل أن يخسر أمام هال سيتي، ورغم وصولهم لربع نهائي كأس إنجلترا في العام التالي ودور البلاي أوف للصعود للدرجة الأولى الإنجليزية إلا أنه تم إقصاؤه ولم يتمكن من الصعود للتشامبيونشيب إلا في موسم 2016/17 بعدما حصد 100 نقطة في الدرجة الثانية (ليج وان) قبل أن يستقر في الدرجة الأولى في الموسم التالي بعد تأمينه للبقاء بوصوله للمركز العاشر.

ومع الحفاظ على استقرار الفريق بقيادة المدرب كريس وايلدر تمكن الأخير من قيادة النادي إلى الصعود المباشر للدرجة الممتازة الإنجليزية باحتلاله للمركز الثاني في جدول الترتيب، وها نحن نرى النادي يصنع الكثير هذا الموسم في البريميرليغ ، حيث يحتل حالياً المركز الخامس على جدول الترتيب وبفارق 6 نقاط فقط عن المركز المؤهل إلى دوري أبطال أوروبا.

إذا ما يحتاجه قرطبة في الوقت الحالي هو عين خبيرة في انتقاء مدرب متمرس في الصعود للدرجات الأعلى، دعم الفريق بعدة لاعبين من الفئة الممتازة لضمان منافسة حقيقية على الصعود وسيكون شيئًا ممتازًا لو أسرعت إدارة النادي بفعل ذلك في السوق الشتوية فقرطبة ليس بعيدًا عن مراكز الصعود.

لكن السرعة في التحرك لا تعني التسرّع، فسواء صعد النادي هذا الموسم أو لم يصعد للدرجة الثانية فإن التأني والتخطيط السليم وبعيد المدى هو أفضل حل ليتمكن النادي من التطور في هدوء ودون ضغوط الكسب السريع.

ويبدو وأن هذه ستكون استراتيجية النادي بالفعل، فالأخبار من قرطبة تشير إلى انتداب ميجيل فيلانزويلا وهو رجل عمل لسنوات في نادي ريال بيتيس كما أن فيلانزويلا لن يصل وحده بل سيصل بفريق كامل ليساعده في مهمة التخطيط للنادي.

إدارة النادي الجديدة كانت ذكية في توطيد أواصر الارتباط مع المشجعين بعد أن قدمت الهدايا لأكثر 12758 مشجعا دعموا النادي هذا الموسم وذلك احتفالا بأعياد الميلاد في إسبانيا بينما كان المذيع الداخلي لملعب نويبو أركانجيل يرحب بالمالكين الجدد بالإسبانية قبل أن يلحقها بكلمة "السلام عليكم" بالعربية معلنا عهدا جديدا للنادي الإسباني نتمنى أن يكون ناجحا.

أخيراً بقي القول إن مملكة البحرين برئاسة سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة تشهد نهضة رياضية كبيرة ، ويكفي إحرازها قبل أسابيع معدودة لقب كأس الخليح لكرة القدم بعد 50 عاماً من الغياب، وقدمت على أثرها منظومة كروية وفلسفة تدريبية رائعة بإحرازها البطولة عبر منتخبين في آن واحد يقودهم البرتغالي هيليو سوزا، وهو أمر أثار إعجاب العرب والعالم وليس الخليجيين فحسب.

كما وأكد حنكة ودهاء البحرينيين في الإدارة الرياضية وصناعة الإنجازات والذي من الراجح انتقاله إلى الملاعب الإسبانية لصناعة قصة تاريخية رائعة .. لننتظر !