حالة من الترقب يعيشها محبو الساحرة المستديرة قبل حفل "الكرة الذهبية"، المقرر إقامته الاثنين المقبل، في باريس، بتواجد أبرز نجوم اللعبة من الرجال والنساء لإعلان "الأفضل في العالم".
وكانت مجلة "فرانس فوتبول" قد أعلنت عن المرشحين للجائزة (30 لاعب)، وهؤلاء أبرزهم: محمد صلاح (ليفربول)، وليونيل ميسي (باريس سان جرمان)، وكريستيانو رونالدو (مانشستر يونايتد)، وروبرت ليفاندوفسكي (بايرن ميونخ)، وجورجينيو (تشلسي).
جدير بالذكر، أن الكرة الذهبية هي جائزة سنوية مقدمة من طرف مجلة "فرانس فوتبول" تمنح لأفضل لاعب كرة قدم. ومُنحت الجائزة أول مرة سنة 1956، وكانت من نصيب اللاعب الإنجليزي ستانلي ماثيوس.
ويبقى السؤال الأهم، والذي يراود عقول الجماهير في كل عام مع اقتراب موعد "البالون دور"، وهو لماذا دائمًا تثير جائزة "الأفضل في العالم" الجدل؟ وما المعايير التي تعتمد عليها؟ وهذا ما يجيب عليه موقع "سكاي نيوز عربية"، خلال السطور التالية.
مراحل العملية
في تقريره حول الكرة الذهبية، يوضح موقع "غول" معايير الفوز بالجائزة الفردية الأهم على مستوى اللعبة، والتي تمر بأكثر من مرحلة.
المرحلة الأولى تتعلق بتجميع القائمة المختصرة الأولية المكونة من 30 اسمًا يتنافسون على جائزة الكرة الذهبية من قبل فريق التحرير في "فرانس فوتبول".
بعد تجميع القائمة المختصرة المكونة من 30 لاعبًا، يتم تشكيل لجنة تحكيم من الصحفيين وقادة ومدربي المنتخبات الذين يمثلون مجموعة متنوعة، ويتجاوز عددهم الـ 500، وبعد ذلك يتم تكليفهم بمهمة التصويت للاعبين الذين يرون أنهم يستحقون المراكز الخمسة الأولى.
ويحصل اللاعب الأعلى تصنيفًا من اختيار كل مُصوِّت على ست نقاط، مع حصول اللاعب صاحب المركز الثاني على أربع نقاط، ثم ثلاث نقاط لصاحب المركز الثالث، والرابع على نقطتين، والخامس على نقطة وحيدة.
عقب التصويت، يتم اختيار أفضل خمسة لاعبين من القائمة المختصرة المكونة من 30 لاعبًا، ثم يشرعون في ترتيبهم تنازليًا.
إذ تساوى لاعبين في النقاط بإحدى المراكز الخمسة، يتم اللجوء لعدد الأصوات التي منحت لهم بالمركز الأول. وإذا استمر التعادل، فسيتم تنظيم اقتراع جديد لتحديد فائز بين اللاعبين المتعادلين. أما إذا لم يتم الإعلان عن الفائز بعد كل هذا، فسيتم استدعاء مدير تحرير "فرانس فوتبول" - بصفته رئيس لجنة التحكيم - لاتخاذ القرار النهائي.
معايير مثيرة للجدل
الأزمة لا تتعلق بمراحل عملية التصويت، لكن بما يحدث خلال هذه المراحل، أو بمعنى أدق المعايير التي يستند إليها المصوتون على جائزة "البالون دور".
من أجل ضمان الحيادية في الاختيار، فضلت "فرانس فوتبول" أن يتم الإعلان عن اختيارات كل مصوت أمام الجميع، إلا أن النتائج جاءت عكسية تمامًا، لأن كل مصوت سينسى– رغمًا عنه- ما فعله اللاعبون المرشحون للجائزة، وسيبدأ بالنظر إلى جنسيتهم في المقام الأول، وكل مصوت بالطبع سيختار اللاعب الذي يمثل بلاده.
ولو كنت لاعبًا ستختار من يلعبون لنفس فريقك؛ لأنه سيكون عارًا عليك اختيار أحد لاعبي الفرق المنافسة، وهذا ما أشار إليه ليونيل ميسي بوضوح عام 2012، عندما صوت لمواطنه سيرجيو أغويرو وزملائه في برشلونة تشافي وأندريس إنييستا، إذ قال لماركا: "سيكون من الغباء عدم اعتبار كريستيانو رونالدو من أفضل اللاعبين، اعتقدت فقط أن هؤلاء هم اللاعبون الذين يجب أن أصوت لهم".
كما رفض مدرب ألمانيا السابق، يواخيم لوف، التصويت على الجائزة قبل أعوام، مشيرًا إلى أنه سيكون هناك تضارب في المصالح لاختيار ثلاثة لاعبين ألمان (أو لا شيء على الإطلاق).
الأزمة الثانية هي أن الجائزة تتأثر بالسلوك خارج الملعب، والمشاركة المجتمعية للنجوم المرشحين، وهذا ما دفع موقع "بليتشر ريبورت" لطرح السؤال الآتي: "إذا زار ليو ميسي المزيد من المستشفيات، أو كان لطيفًا في المقابلات الإعلامية؛ لماذا يجعله ذلك أكثر استحقاقًا لجائزة كرة القدم من شخص مثل كريستيانو رونالدو (الذي قد يكون شخصًا لطيفًا بعيدًا عن الأضواء)؟".
هل يحصد الجائزة اللاعب الأفضل في الموسم حقًا؟ أم صاحب الشعبية الأكبر والأكثر ظهورًا في الإعلانات التجارية؟ هذا السؤال يمهد لطرح الأزمة الثالثة التي تواجه الجائزة كل عام.
في العام 2013، كان الفرنسي فرانك ريبيري قد حصد كل شيء تقريبًا مع بايرن ميونخ، وفاز بكل الألقاب الفردية الأخرى، ما دفع مدرب بايرن ميونخ حينها، أولي هونيس، لقول التصريح التالي: "ستكون مؤامرة محرجة إذ لم يفز الفرنسي بجائزة البالون دور".
وبالفعل، حصد كريستيانو رونالدو الجائزة عام 2013، وهو يذرف من عينيه الدموع، هذا ما يفتح باب الحديث حول المعضلة الرابعة التي تواجهها "البالون دور" في كل عام، والتي يمكن أن يلخصها السؤال التالي: "هل الأهم للاعب حصد جائزة فردية أم لقب لصالح فريقه؟".
اللاعب أم الفريق؟
في تقرير عنوانه "لماذا تهدد (البالون دور) كرة القدم؟"، يوضح موقع "بليتشر ريبورت" كيف تؤثر الجوائز الفردية بالسلب على اللعبة بشكل عام.
يشير التقرير إلى أن ما أظهره رونالدو خلال أحد الأفلام الوثائقية التي تناولت حياته من احتفاء بالفوز بالكرة الذهبية، يظهر مدى شغف نجوم اللعبة بحصد الألقاب الفردية ربما أكثر من الجماعية، "كانت سعادته بالبالون دور تفوق سعادته بتحقيق دوري أبطال أوروبا مع ريال مدريد".
ببساطة حين تُطرح مثل هذه الفرضيات على جمهور كرة القدم، يرى أغلبهم أن رغبة اللاعب في أن يكون الأفضل، ستدفعه في النهاية إلى تقديم أعلى مستوى فني مع فريقه، فلما كل هذا الجدل؟.
لكن الأزمة تكمن في كون الجوائز الفردية أولوية بالنسبة لنجوم كرة القدم؛ لأنها في النهاية لعبة جماعية، تحتاج دائمًا إلى فريق كامل قادر على الاندماج، والعمل بمنظومة واحدة من أجل تحقيق الإنجازات.
في هذا الصدد، صرح المدرب الفرنسي، آرسين فينغر، في وقتٍ سابق، بأنه ضد الكرة الذهبية؛ لأنها جعلت اللاعبين مهووسين بالجوائز الفردية، "يجب أن تأتي مصلحة الفريق في المقام الأول".
في كتاب "الهرم المقلوب"، يقول أريغو ساكي، أحد أساطير عالم التدريب في اللعبة للصحفي الرياضي "جوناثان ويلسون": "يجب أن يكون للتكتيكات تأثير مضاعف ويجب أن تجعل الفريق أكبر من مجموع أجزائه"، في إشارة إلى أنه مع تطور اللعبة وحتى منذ بدايتها، لا يوجد أبطال خارقون، وفي النهاية يحتاج كل لاعب إلى فريق قوي يساعده على إظهار أفضل مستوى فني يملكه، وهذا ما يبرر تحقيق ميسي كل شيء ممكن مع برشلونة، بالتزامن مع فشله في حصد الألقاب مع منتخب بلاده، الأرجنتين.
"البالون دور" سامة لأنها تنفي هذه الحقيقة؛ وتبدد تطلعات اللاعبين بالقيام بما هو أفضل للفريق.
الجائزة الفردية تقدم حوافز للتسديد عندما تكون التمريرة خيارًا أفضل، والقيام بشيء خيالي بدلًا من القيام بشيء أبسط وأكثر فاعلية، ببساطة تشجع الجوائز الفردية على الأنانية والتباهي.. تشجع كرة القدم السيئة.
السؤال الأخير في هذا التقرير، والمنطقى أيضًا هو لماذا تستمر "البالون دور" رغم كل هذا الجدل؟
والإجابة هي أن القطاع الأكبر من الجماهير يميل إلى تتويج نجمه المفضل بهذه الجائزة العريقة؛ حتى لو كان لا يستحقها، وربما يعترض البعض على معايير الجائزة غير المنطقية، لكنهم ينسون كل هذا الجدل، عندما يكون الفائز بالجائزة أحد أبناء بلادهم، أو نجم فريقهم المفضل.
لكن بالنظر بصورة أعمق إلى "البالون دور"، التي يفصلنا عن إقامة حفل توزيع جوائزها ساعات قليلة، يمكننا تقديم نصيحة للجمهور بالاحتفال في حالة فوز نجمها المفضل بالجائزة، وإذا حدث العكس، من الأفضل ألا يغضبون لأنها في كثير من الأحيان لا تُمنح لمن يستحقها بالفعل.