ذُكر نبي الله -تعالى- إدريس عليه السلام في القرآن الكريم بآيتين: الأولى في سورة مريم: «(56) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (57) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا»،، والثانية في سورة الأنبياء: «(85) وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ».
وقيل هو بن يرد بن مهلائيل -عليه السلام-، ويقال له أخنوخ؛ فهو جد سيدنا نوح -عليه السلام- لأبيه؛ وسيدنا نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ، ذكره الله -تعالى- في القرآن الكريم، فقال الله -تعالى-: «وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ * إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا».
وهو سِبط شيث -عليه السلام-، وجدّ سيدنا إبراهيم -عليه السلام-، ويُذكر أنّ سيدنا إدريس -عليه السلام- عاش اثنين وثمانين سنة، وكان صادقاً أميناً، ورسولاً موحى إليه بتبليغ رسالة التوحيد، وأعلى الله -تعالى- شرفه وذكره ومنزلته.
وقد أرسله الله -تعالى- في الفترة الزمنية الواقعة ما بين سيدنا آدم -عليه السلام- وسيدنا نوح -عليه السلام-، وهي فترة زمنية طويلة تصل إلى عشرة قرون، وقيل إنه أدرك من حياة آدم ثلاثمائة وثمانية سنوات وقيل ستمائة سنة واثنتان وعشرون سنة، واختلفَ العلماء في مكان ولادة إدريس، فقيل في بابل من أرض العراق، وقيل في مصر وهو الأرجح عند كثير من العلماء.
وفي أوصاف إدريس عليه السلام، يقول ابن كثير: «كان تامّ القامة، حسن الوجه، كثّ اللحية، عريض المنكبين، ضخم العظام قليل اللحم، برّاق العينين أكحلهما، متأنّيًا في كلامه، كثير الصمت، ساكن الأعضاء -هادئ-، إذا مشى أكثر نظره إلى الأرض، كثير الفكرة، به عبسة وإذا اغتاظ احتدّ، يحرّك سبابته إذا تكلّم».
وهو أول من نال شرف النبوة بعد سيدنا آدم وشيث -عليهما السلام-، وقد كان الناس خلال هذه الفترة يعبدون الله -تعالى- وحده، لكن بعد هذه الفترة بدأ الناس بالاتجاه لعبادة الأصنام والأوثان، فلما انتشر فساد ذّرية قابيل واعتدائهم على المؤمنين شرّع الجهاد، فكان أوّل من قاتل في سبيل الله، وأول من سبى في سبيل الله، فقد جهّز جيشاً من الخيل والرجال وقاتل المفسدين فهزمهم وسبى منهم.نبوة إدريس عليه السلامأنزل الله -تعالى- على نبيه إدريس -عليه السلام- ثلاثون صحيفة، فكان أول من خط بالقلم، وأول من نظر في علم النجوم والكواكب، وتعددت آراء العلماء في الزمن الذي بُعث فيه سيدنا إدريس -عليه السلام- نبياً؛ فمنهم من قال: بعثه الله -تعالى- نبياً بعد سيدنا آدم -عليه السلام- وقبل سيدنا نوح -عليه السلام-، ومنهم من قال: بعثه الله -تعالى- نبياً بعد سيدنا نوح -عليه السلام-، وقالوا إنه بُعث نبياً لبني إسرائيل.
عمل سيدنا نوح عليه السلام
ذُكر في التاريخ الإسلامي أن سيدنا إدريس -عليه السلام- كان يعمل خياطاً، وكان كثير الذكر لله -تعالى- في عمله، مما زاده تقرباً لله -تعالى-؛ فقد كان يقول مع كل غرزة إبرة: «سبحان الله»، فلم يكن أحد في الأرض أحسن منه عبادة لله -تعالى- حين يُمسي، ولم تتحدث الروايات اليهودية عن عمل نبي الله -تعالى- إدريس -عليه السلام-، وإنما ورد ذكر عمله في مصادر التاريخ الإسلامي.
رفع إدريس عليه السلام إلى السماء
تعددت آراء العلماء في تفسير قول الله -تعالى- في حق نبيه إدريس -عليه السلام-: (وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً)، فقال بعض العلماء: إن الله -تعالى- رفع من شأن سيدنا إدريس -عليه السلام- بالعلم والنبوة، فكانت له مكانة عظيمة، وقال بعض العلماء: إن ملك الموت قبض روح سيدنا إدريس -عليه السلام- في السماء الرابعة، وقال بعض العلماء: إن الله -تعالى- رفعه للسماء الرابعة وجعله قاضياً ملكاً على خزائن السماوات. وذهب بعض العلماء إلى القول بأن الله -تعالى- رفعه للسماء السادسة، وقال بعضهم: للسماء الرابعة.
وفي الحديث الصحيح أنّ النبي ﷺ التقى بإدريس في السماء الرابعة في ليلة الإسراء والمعراج، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: «ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِلَى إِدْرِيسَ، قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ».