تقول إحدى الأمهات: لست من هواة الطبخ وأنا امرأة عاملة واعتمد في إعداد الوجبات لأبنائي أحياناً على الخادمة في المنزل، أو على الوجبات الجاهزة التي اشتريها من المطاعم والمحلات المختصة في بيع الأطعمة أحيانا أخرى، وكان هذا الحال لسنوات طويلة حتى حدث ما غيّر مفهومي وقلب حالي ومعتقداتي! عندما زارنا ضيفٌ كريم هل عرفتموه؟ نعم إنه شهر رمضان المبارك أعاده الله علينا وعليكم ونحن بأتم صحة وعافية، كانت الخادمة مسافرة حينها لقضاء إجازتها السنوية في بلد آخر. تقول هذه الأم، اضطررت أن أدخل المطبخ لإعداد وجبة الفطور لأسرتي، وخاصة أن زوجي لا يرغب في الأكل من خارج المنزل في شهر رمضان، كان الأمر بالنسبة لي في بادئ الأمر مملاً وغير ممتع وخاصة أنني أصبحت لا أجيد الطبخ كالسابق، لأنني سلّمت المهمة بالكامل للخادمة فهي من تقوم بذلك منذ سنوات.
ماذا حدث مع تلك الأم المسكينة؟!
تقول: أصبحت يوماً بعد يوم أعُدّ فيه الطعام لأبنائي أشعر بالمتعة والراحة النفسية رغم ما أبذله من جهد وينتابني من تعب، لأني كنت أقوم بعمل أشعر فيه بأن أسرتي الصغيرة، زوجي وأبنائي يتلذذون وهم يأكلون الطعام الذي أعده لهم وقت الإفطار، وكانوا يقومون بمدحي ويقارنون بين طعامي والطعام الجاهز الذي أطلبه لهم من خارج المنزل كالعادة أو الطعام الذي تعدّه لهم الخادمة، كنت أرى الفرح في عيونهم والرضا في عين زوجي، وأشعر كأن الله يكافئني بالأجر والثواب لصبري على التعب والمجهود الذي أبذله من أجلهم وكان هذا له أثر إيجابي كبير على نفسي، يمدني بالطاقة اللازمة لبذل المزيد.
وتردف هذه الأم قائلة:
وما شجعني أكثر على الاستمرار في الطبخ، بل والتَفنّن فيه هو دخول أبنائي المطبخ بعد وصولهم من المدرسة يومياً وهم صائمون، كانوا يتفقّدون أواني الطعام ويشتمون رائحته الزكية، ويقومون بعرض خدماتهم لتخفيف العبء عني ومساعدتي قدر المستطاع، أسعدني ذلك كثيراً! لما لمسته من روح التعاون والمشاركة بيننا جميعاً.
أدركت حينها أن طبخ الطعام ليس مجرد طبخ والسلام، بل هو طاقة من الحب والدفء تغذي الروح قبل الجسد، كل وجبة كنت أُعدّها لأبنائي كانت لمسة خاصة مني تحمل لهم الحب والعناية والاهتمام، ورسالة أحرص على إيصالها لهم في كل لقمة يأكلونها تعبّر عن مدى حبّي لهم واهتمامي بهم، سيذكرونها بدورهم يوماً لأبنائهم لأنهم فهموا الرسالة جيداً.