بدأت ويكيبيديا في إدماج أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي ضمن عملية التحرير في خطوة تهدف إلى تخفيف الأعباء عن كاهل فريقها المتطوع، ولكن هذه المبادرة لا تعني بأي حال من الأحوال أن الآلات ستتولى زمام الأمور بل إنها تهدف إلى دعم المحررين لا استبدالهم وذلك وفقًا لما أعلنته مؤسسة ويكيميديا، الجهة المسؤولة عن إدارة أكبر موسوعة مجانية على الإنترنت.
في إعلانها أوضحت المؤسسة أنها تعمل على دمج أدوات الذكاء الاصطناعي ضمن بيئة التحرير، ولكن الهدف الرئيس من هذه الخطوة هو تسهيل المهام اليومية للمحررين وتمكينهم من التركيز على الجوانب الجوهرية مثل التحقق من الحقائق، وتحسين جودة المقالات، ومساعدة المساهمين الجدد.
التكنولوجيا في خدمة الإنسان وليس العكس
أكد كريس ألبون مدير قسم تعلم الآلة في مؤسسة ويكيميديا، أن المحررين البشريين لا يزالون يمثلون جوهر ويكيبيديا، مشيرًا إلى أن المؤسسة تعتمد نهجًا إنسانيًا يضع استقلالية الإنسان في المقام الأول، كما شدد على التزام المؤسسة باستخدام أنظمة ذكاء اصطناعي مفتوحة المصدر أو تتيح الوصول إلى أوزان النماذج بشكل شفاف مع مراعاة خصوصيات المحررين العاملين بلغات مختلفة.
وأوضح ألبون أن أدوات الذكاء الاصطناعي ستستخدم في مهام مثل إجراء الأبحاث الخلفية، وترجمة المقالات إلى لغات متعددة، وتوجيه المحررين الجدد، وهذه المهام غالبًا ما تستغرق وقتًا كبيرًا وتؤثر على جودة التحرير لذلك فإن توكيلها للذكاء الاصطناعي من شأنه أن يتيح للمحررين فرصة التركيز على تحسين المحتوى بدلاً من الانشغال بالأعمال التقنية.
الذكاء الاصطناعي كان حاضرًا خلف الكواليس
رغم أن هذه الخطوة تمثل أول مرة يتعامل فيها المحررون بشكل مباشر مع أدوات الذكاء الاصطناعي، إلا أن ويكيبيديا كانت تستخدم هذه التكنولوجيا منذ فترة طويلة، حيث تستعمل خوارزميات الذكاء الاصطناعي في رصد التخريب، وقياس قابلية قراءة المقالات، والمساعدة في الترجمة، والجديد هو إدخال هذه الأدوات في صلب عملية التحرير اليومية لمساعدة المحررين بشكل فعال ومباشر.
يأتي هذا التطور ضمن إطار جهود المؤسسة المتواصلة لدعم مجتمع المتطوعين، ففي السنوات الأخيرة أطلقت ويكيميديا ميزات جديدة لتسهيل عملية التحرير، كما قدمت دعمًا قانونيًا لحماية المحررين من المضايقات على الإنترنت خاصة تلك ذات الطابع السياسي.
تحديات جديدة من ازدحام البوتات
في الوقت الذي تسعى فيه المؤسسة إلى تعزيز دور الذكاء الاصطناعي في دعم المحررين تواجه ويكيبيديا تحديات متزايدة من البوتات التي تنسخ محتواها بصورة مفرطة، فقد أدى ارتفاع حركة المرور الناتجة عن هذه البرمجيات إلى تحميل إضافي على الخوادم وازدياد استهلاك النطاق الترددي بنسبة 50%.
لمعالجة هذه المشكلة، أطلقت مؤسسة ويكيميديا مشروعًا لإنشاء مجموعة بيانات مفتوحة مخصصة لأغراض تعلم الآلة تسمح لمطوري الذكاء الاصطناعي بتدريب نماذجهم دون الحاجة للوصول إلى الموقع الفعلي، والهدف هو حماية المنصة والحفاظ على دورها كمصدر للمعلومة يكتبه بشر حقيقيون دون عرقلة جهود الباحثين والمطورين.
رغم التوسع في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، إلا أن السيطرة لا تزال بيد المحررين البشر ولن تشهد ويكيبيديا تحولًا إلى مقالات مكتوبة كليًا بواسطة الآلات في المستقبل القريب، ولكن المحررين سيحصلون على دعم تقني ذكي يساعدهم على أداء مهامهم بشكل أكثر كفاءة.