أميرة صليبيخ

ليس هناك شيء أقسى من أن نولد بملامح لا تروق للآخرين، سوى أن نُربى ونتبرمج على أننا لا نستحق الحب ما لم نكن «جميلين». فالطفل لا يرى في وجهه نقصاً أو قبحاً، لكنه يتعلّم بمرور الوقت من خلال التعليقات والنظرات والمقارنات، أنه إنسان له ترتيب آخر في السلّم الاجتماعي.

القبح ليس صفة فيسيولوجية، بل فكرة تُزرع داخلنا، تبعدنا عن ذاتنا الأصلية. فحين تقول لنفسك «أنا قبيح»، فأنت لا تصف نفسك، بل تردد بلا وعي حكماً خارجياً صدقته وآمنت به، ومع مرور الوقت يتحول إلى وجع متراكم، شعور دفين بالخذلان، وصمت مرير في محراب الجمال ذي المعايير الضيقة. إن ما نراه في المرايا ليس دائماً حقيقتنا، بل أحياناً هو مجموع الأحكام التي صمتنا عنها طويلاً وقبلنا بها على مضض فقط لأنها جاءت من أشخاص نعتقد أنهم بالفعل أجمل منا.

نحن نعيش في وقت اختل فيه تعريف الجمال، وصار يخضع لمعايير جديدة لم تكن موجودة سابقاً. وبذلك تحولت الوجوه إلى مشاريع للمقارنة بين البشر وتحديد مواقعهم الاجتماعية بناء عليها. فوجهك الذي تحمله أينما وليت هو عارك، وهو سبب عرقلة حياتك وقلب موازينها. فأنت بحسب المعايير الجديدة قد تكون غير صالح للنظر! أنت مادة دسمة للتنمر وربما خلق محتوى عبر التواصل الاجتماعي! وهذا يخلق فيك قلقاً مستمراً وتساؤلات صامتة: هل أنا كافٍ؟ هل أستحق الحب وأنا صاحب هذا الوجه؟ أسئلة لا تولد من الداخل، بل تُفرض عليك من الخارج، من مجتمع اعتاد الحكم على الظاهر فقط، وكثيراً ما يكون الظاهر زائفاً!

الحل ليس في كره المرايا أو اللهاث خلف الكمال وربما عمليات التجميل. الحل يكمن في إعادة العلاقة مع النفس إلى أصلها: كمسكن نعيش فيه، لا كمعرضٍ فني يقدم لوحات للآخرين، مع ضرورة تفكيك الصلة بين الملامح والقيمة، فأنت لست وجهك. وقيمتك لا تستمد منها، بل من كونك مخلوقاً من روح الله وهذه أعظم ميزة لك.

التحرر من فكرة القبح ليس مجاملة للذات، بل هو فعل واعٍ وجريء. هو استعادة الإنسان لحقه في أن يكون مختلفاً دون شعور بالعار أو النقص، وانتصار للمعنى على المظهر. فالجمال الحقيقي ليس في تطابق الصورة مع نموذج مثالي، بل في الانسجام مع الذات، وفي أن نرى أنفسنا بعين الرأفة لا العيب.

ففي عالمٍ يعيد طلاء الوجوه كل يوم، لعلّ أجمل ما نفعله هو أن نُصلح نظرتنا لأنفسنا. فملامحنا لا تحتاج لتجميل، بل لفهم وقبول.