أميرة صليبيخ

منذ أيام وأنا أحملُ أثقالاً غير مرئية. رأسي ساحةُ حربٍ شرسة، والأفكار المتلاحقة تقود عقلي للهاوية! العالم عبارة عن مسرحٍ من الفوضى، والناس مزعجون بطريقة لا تطاق. كلماتهم تسّبب كدمات في القلب، وسكوتهم يترك مخالبه في عقلي أيضاً. أريد الهرب بعيداً، لكن إلى أين؟ لا مفر من نفسي.

وفي الحقيقة، لا أعرف أحداً لم يمسسه هذا الجنون! جميعهم يعانون من الداخل ويصرخون بصمت، ومع ذلك عندما يكونون مع بعضهم يتظاهرون بالسلام النفسي في أعلى مراحله! كيف يمكنهم الكذب بهذه الطريقة؟ أحتاج أن أتعّلم!

تذكرتُ -وأنا أتمّعنُ في سواد قهوتي- بأن لونها تسّلل بهدوء إلى روحي أيضاً، وإني لن أستطيع الخلاص إلا بطريقة واحدة فقط.. الكتابة! أنت لا تحتاج لأن تكون كاتباً حتى تكتب، ولا أن تكون متخصصاً في اللغة العربية حتى تمسك بالقلم! ولحسن الحظ هي ليست حكراً على أحد، إنها للجميع ومع ذلك قليلون من يحاولون الاستفادة من هذه الفرصة المجانية العظيمة للنجاة!

لجأتُ للكتابة في ذلك اليوم. كتبتُ من نفسي لنفسي. كانت فضفضة ساخنة، غَلَب الدمعُ فيها الحبر. كنت أكتب كمن يُشّرح قلبه ويضع أجزاءه المقطعة على الورق. ولعل أحد الأسباب التي تجعل الكتابة فعلاً مرهقاً بالنسبة لي، هي لأني أضطر أن أحفر بداخلي وأكشفُ سوءَةَ جراحي! لكني أحتاج أن أقوم بهذا الأمر. الكتابة ليست ترفاً، إنها عملية إنقاذ مستعجلة.

لذلك أيها الشقّي اكتب، لأن الكتابة تعني أنك ما زلت تحاول أن تكوناً إنساناً، أكتب لأن الكتابة وسيلة للبقاء، أكتب لأن الكتابة تمنحك صوتاً مسموعاً.

وعندما تكتب لنفسك التي تعرفك جيداً، ابتعد عن الكلمات الرنانة فأنت لا تكتب رسالة حب ولا رسالة دكتوراه! أنت تحاول أن تقبض على عقلك قبل أن يبتلعه الظلام، وتُغرقه الفوضى وتُفقدك آخر أنفاس الصبر.

أكتب ولا تحاول أن تكون منطقياً أو نموذجياً أو رائعاً. لا داعي لأن تُبهر أحداً. فقط اكتب كل ما يدور في عقلك، حيث مكّب الذكريات والأوجاع والأوهام، منبع الشقاء كله وأصل الأفكار التي تتغذى عليها، وتدور حولها حياتك. عقلك مكمن العلة!

في ذلك اليوم عندما أخذتُ القلم وفرّغت عقلي على الورق، جلستُ هناك أتأملني وكأني ألتقي بي للمرة الأولى. شعرت بالدهشة لأنني وجدت شيئاً أكثر وضوحاً من المرآة.. إنه الورق.

لذلك اكتب، اكتب، اكتب حتى تحافظ على سلامة عقلك، وحتى لا تُسلمُ نفسك بنفسك إلى هاوية الجنون!