منذ أن بدأ استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات التعليم بدأ السؤال يطرح نفسه بقوة هل يمكن لأدوات مثل شات جي بي تي أن تحل محل المعلم البشري؟ يبدو السؤال جذابًا في عصر التقنية لكنه في الحقيقة يحمل أبعادًا أعمق تتعلق بفهم طبيعة التعليم ودور المعلم الحقيقي في حياة الطالب.

ينظر إلى شات جي بي تي كأداة تعليمية قوية لما يملكه من قدرة على شرح المفاهيم المعقدة، تبسيط المواد، حل التمارين، وحتى تقديم أمثلة عملية في مجالات متعددة مثل الرياضيات واللغات والعلوم، وهذه القدرات جعلت منه شريكًا مهمًا للطلاب والمعلمين على حد سواء، ولكنه رغم هذه الإمكانيات لا يقدم تجربة تعليمية كاملة تغني عن وجود المعلم.

كيف يختلف دور المعلم عن قدرات الذكاء الاصطناعي؟

المعلم لا ينقل المعلومة فقط بل يبني علاقة إنسانية وتربوية مع الطالب، يتابع تطوره، يفهم خلفيته النفسية، ويتفاعل مع حالته المزاجية ومستواه العلمي، والمعلم يوجه، يلاحظ، يحفز، ويعرف متى يصمت ومتى يسأل، وهذه المهارات البشرية الدقيقة لا يمكن لأي خوارزمية أن تقلدها بشكل كامل حتى وإن بدت الردود التي يقدمها الذكاء الاصطناعي ذكية أو مفيدة.

شات جي بي تي لا يشعر بالملل، لا يغضب، ولا يخطئ في قواعد النحو، لكنه أيضًا لا يفهم أن طالبًا ما يشعر بالخوف من الفشل، أو أن آخر يعاني من ضغط عائلي يؤثر على تحصيله، والذكاء الاصطناعي يتفاعل مع النص لا مع الإنسان، ولهذا السبب لا يمكن الاعتماد عليه وحده في تربية أو تعليم أجيال تبحث عن قدوة إنسانية لا مجرد مصدر للمعلومة.

كيف يمكن أن يتكامل شات جي بي تي مع دور المعلم؟

بدلاً من النظر إليه كمنافس يمكن للمعلمين أن يتبنوا شات جي بي تي كأداة مساعدة لهم في الشرح والتوضيح والتدريب، ويستطيع المعلم استخدامه لتوليد تمارين إضافية، إعداد اختبارات، أو تبسيط مواضيع معقدة، أما الطالب فيمكنه اللجوء إليه لمراجعة المعلومات في أي وقت، والحصول على شرح سريع، مما يخفف الضغط على المعلم ويمنح المتعلم وسيلة إضافية للاستيعاب.

هذا التكامل قد يكون هو الطريق الأمثل حيث تظل السلطة التعليمية والأخلاقية للمعلم محفوظة، بينما يستفيد الجميع من قدرات الذكاء الاصطناعي، فبدلاً من إلغاء دور أحد الطرفين يمكن بناء منظومة تعليمية ذكية قائمة على التعاون بين الإنسان والآلة.

هل المستقبل بدون معلمين؟

حتى مع التقدم التقني لا يمكن تصور مدرسة أو جامعة بدون معلمين، وقد تختلف الأدوار وتتغير الأساليب، لكن المعلم سيظل جوهر العملية التعليمية، أما الأدوات الذكية مثل شات جي بي تي فستبقى وسيلة لتعزيز هذا الدور، لا لمصادرته، فالتعليم لا يقوم على المعرفة وحدها، بل على القيم، والتفاعل الإنساني، والتجربة المشتركة بين المعلم والطالب.