إن الشعور بالامتنان له تأثير سحري على الصحة النفسية والشعور بالسلام الداخلي والطمأنينة، وهو مفتاح لتعزيز السعادة وتحقيق التوازن النفسي، ومن أهم موضوعات علم النفس الإيجابي الذي لمع نجمه في السنوات الأخيرة. نحن نشعر بالامتنان عندما نقدر الأشياء الإيجابية في حياتنا، سواء كانت كبيرة أو صغيرة. مثل الحصول على دعم من الأصدقاء أو العائلة، أو التمتع بنعم الله من طعام وشراب ومسكن وملبس، ونعمة الذرية الصالحة. وشكر الله على نعمه التي لا تعد ولاتحصى. هذا الشعور بالامتنان له آثار إيجابية على الإنسان تبلغ أضعاف هذا الشعور بالامتنان تجاه ما ننعم به من نعم وخير، كما في الآية الكريمة «وإن شكرتم لأزيدنكم». وحتى الشعور بالامتنان للمصيبة إن حلت بنا، لأن حدوثها قد يعني أن الله قد حمانا من شر أعظم، كالرجل الذي أصيب بالهلع؛ لأنه خسر وظيفته التي تنتظره في بلد آخر؛ لأنه تأخر عن اللحاق بموعد طائرته ليكتشف لاحقاً أن الطائرة قد تحطمت.
تشير الأبحاث الحديثة إلى أن ممارسة الامتنان، مثل كتابة رسائل شكر، تحمل فوائد نفسية كبيرة، خاصة عند دمجها مع العلاج النفسي التقليدي. ولقد سعى علماء النفس أن يدرسوا هذا الموضوع بشكل علمي. ففي دراسة أجريت على 300 مشارك يعانون من مشاكل نفسية مثل القلق والاكتئاب، قُسم المشاركون إلى ثلاث مجموعات: الأولى كتبت رسائل شكر أسبوعية لمدة ثلاثة أسابيع، والثانية كتبت عن تجارب سلبية، والثالثة لم تمارس أي نشاط كتابي. أظهرت النتائج أن المجموعة التي كتبت رسائل الامتنان شهدت تحسناً ملحوظاً في صحتها النفسية مقارنة بالمجموعات الأخرى، واستمرت هذه الفوائد لأسابيع بعد انتهاء النشاط.
أحد أسباب هذا التحسن هو أن كتابة رسائل الامتنان تقلل من التفكير في المشاعر السلبية مثل الشعور بالحسرة والضغينة، مما يساعد على تحويل التركيز نحو التجارب الإيجابية والأشخاص الذين قدموا الدعم في الحياة. المثير للاهتمام أن فوائد الامتنان ظهرت حتى عندما لم يُرسل المشاركون رسائلهم، مما يشير إلى أن عملية الكتابة بحد ذاتها كافية لإحداث فرق.
ومن الجوانب المدهشة الأخرى أن ممارسة الامتنان تُحدث تغييرات في نشاط الدماغ. أظهرت الدراسات باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي أن الأشخاص الذين كتبوا رسائل الامتنان أظهروا نشاطاً أعلى في منطقة القشرة الجبهية الوسطى، وهي المنطقة المسؤولة عن اتخاذ القرارات والتعلم.
يمثل الامتنان وسيلة بسيطة، ولكنها فعالة لتحسين الصحة النفسية. سواء كنت تواجه تحديات نفسية، أو تبحث عن تعزيز إحساسك بالسعادة، يمكن لممارسة الامتنان أن تُحدث فرقاً كبيراً. خذ بضع دقائق اليوم لكتابة رسالة شكر أو التفكير في الأشياء التي تشعر بالامتنان تجاهها، وستجد أن هذه العادة يمكن أن تعيد ترتيب أولوياتك، وتفتح الباب لحياة أكثر إيجابية وإشراقاً.
* أستاذة جامعية في علم النفس