كثيراً ما تطرقت إليه في أعمدة سابقة حول الإرادة التي يصبو بها ذوو العزيمة إلى العديد من النجاحات الباهرة بشحذ الهمم وتحمّل مسؤولية الأمور بالاعتماد على الذات، وذلك في سبيل الارتقاء بمستويات منقطعة النظير تنافساً مع الآخرين في مختلف المجالات، ومن دون تلك السواعد التشجيعية والمعنوية النابعة من البيئة الأسرية بحنو الوالدين ورعايتهم الكافية لم يغدُ مستقبل الأبناء مشرقاً في تلبية التطلعات. إن الدعم الأسري عادة مألوفة في المسيرة التربوية للأبناء، فيسعى الوالدان إلى معرفة ميول أبنائهم واكتشاف قدراتهم، ومن ثم تعبيد الطرق لبلوغ أهدافهم وإيصالهم إلى القمم، ذلك ما تظهره النتائج النهائية التي تعكس حرص الآباء على توفير ما يخدم صالح أبنائهم.
وأحياناً أخرى قد تتحقق إنجازات فريدة من نوعها عصي عليها الاستسلام رغم الظروف الأسرية الاستثنائية المغايرة تماماً لأوضاع الأسر الأخرى، لما يسود أجواءها من العنف اللفظي وربما الجسدي والإهمال والتوبيخ والتحبيط من إكمال مسارات الحياة، وذلك ما برهنته إنجازات الأستاذ الدكتور فواز عبدالحق رئيس الجامعة الهاشمية سابقاً الغني عن التعريف بسيرته المفعمة بالإيجابية وقصص نجاحاته الملهمة، ولاسيما نشأته التي يرويها بدواعي الفخر والاعتزاز خلال لقاءاته التلفزيونية وفي الندوات والمؤتمرات الصحفية وغيرها، بأنه ولد بقصور وتشوهات في يده اليسرى فعم الحزن والخذل بين أسرته ليزيد من وطأة المعاناة بعد أن فقد عينه اليسرى المتأثرة بإصابة على يد شقيقه غير المتعمدة، إلى أن اكتملت نظرة أهله إليه بأنه عديم الفائدة ولم يجلب إليهم سوى المتاعب ولا يستحق العيش في هذه الحياة فاقترحوا دفنه حياً.
لم تشكل تلك الظروف القاسية حجر عثرة أمام تطلعات د. فواز عبدالحق بل كانت من الدوافع التي صقلت شخصية الدكتور وصنعت منها أستاذاً ينهل منه الدارسون ما في جعبته وتتخرج على يديه أجيال من كبار الأستاذة والمسؤولين وصُنّاع القرار.
فالإحباط الأسري لم يأسره للاستسلام، ولم يكترث لقصوره الجسدي الذي يعاني منه، بل تسلح به محطماً حواجز العجز والخجل أمام الآخرين، هذا ما قاده إلى بذل المزيد من الجهود والمثابرة حتى تفوق دراسياً وابتعثه جلالة الملك الحسين لإكمال دراسته في الخارج إلى أن تولى منصب رئاسة الجامعة.
واشتهر بمقولته الشهيرة: «المعاق هو من يملك قلباً وعقلاً وعينين ويدين ولا ينتج في المجتمع، أما الذي سلبه الله نعمة ووهبه نعماً أخرى فهو مكرم».
إن الخجل من النواقص الجسدية والالتفات إلى نظرات الآخرين وتنمرهم حتى لو كان من الأقارب يقود الفرد المصاب إلى التسخط والخضوع التام إلى اليأس والانطوائية التي تعجزه عن إتمام مساراته في الحياة، بينما الشعور بالرضا بقضاء الله وتقبّل قدره يحول تلك النواقص إلى نعم يشكر صاحبها ربه عليها لكونها خير دافع إلى الإنتاج والفاعلية في المجتمع وتشكيل هوية خالدة تعمر بعطاءاتها البلدان.