حنان الخلفان

على خشبة واسعة اسمها «الساحل الشمالي»، الأضواء ساطعة والجمهور لا يغمض عينيه. كل حركة مرصودة، كل ضحكة محسوبة، وكل مشهد يُحفظ في ذاكرة لا تُمحى. هنا لا مجال للتجريب، فالعرض يُبث مباشرة أمام ملايين العيون، ولا مجال لإعادة اللقطة أو الاعتذار بعد سقوط الستار.

في هذا المسرح المفتوح، بعض المؤثرين يظنون أن الدور بطولة مطلقة، وأن أي حركة جريئة ستنال التصفيق. لكن الجمهور -وأقصد هنا العالم كله- لا يصفق للأخطاء، بل يحتفظ بها طويلًا كذكرى مشوهة، يكررها، يعلق عليها، ويجعلها عنواناً لا يخص صاحبها وحده، بل يخص مجتمعاً بأكمله.

والأسوأ من ذلك، أن بعض منصات التواصل الاجتماعي تتعمد كتابة اسم الشخص متبوعاً بكلمة «البحرينية» فقط لجذب المشاهدات وإثارة ردود الأفعال، وكأن الهوية الوطنية أصبحت أداة رخيصة للتسويق. وحتى إن أضاف الشخص نفسه هذا اللقب لاسمه، فمن باب الذوق واحترام المجتمعات أن يُصان هذا اللقب وألّا يُستغل في سياقات تهين قيمته. وما يخجل حقًا أن أبناء البحرين يجدون أنفسهم مضطرين في كل مرة للدفاع عن وطنهم ونساء بلدهم، مؤكدين أن هذه التصرفات فردية لا تمثل البحرينيات ولا الخليجيات عموماً.

احترموا هوية بلدكم، عاداتكم وتقاليدكم، لا تجعلونا مادة سهلة لكل مترقب ينتظر زلّة ليحوّلها إلى «مسخرة» عامة. صورتكم ليست ملكاً لكم وحدكم، فهي مرآة لنا جميعاً. من حقكم أن تفرحوا، أن تستمتعوا، أن تعيشوا لحظاتكم الخاصة، لكن من غير المقبول أن يكون ثمن هذا الفرح هو تشويه سمعة بلدٍ بأكمله.

وكل ظهور مسؤولية، فأنتم «بصفتكم مؤثرين» تصنعون قدوات شاء الناس أم أبوا. والسقوط هنا لا يسقطكم وحدكم، بل يسقط معكم قيماً يتعلمها الجيل الصغير بالصمت.

ثم هناك جيل أصغر يراقبنا في صمت. هؤلاء المراهقون لا يملكون أدوات النقد ولا يفرّقون بين حرية حقيقية واندفاع عابر. هم فقط يقلدون ما يلمع أمامهم، معتقدين أن الشهرة تختصر في رقصة صاخبة أو لقطة جريئة. الحرية لا تختبرنا ونحن وحدنا، بل تختبرنا ونحن تحت أنظار من لا يرحم. ومن باب الإنصاف، لابد من توجيه الشكر للنقابة المصرية التي سارعت إلى اتخاذ موقف حازم ومحاسبة المخطئين، فهذه الإجراءات ليست تقييداً للفرح بقدر ما هي حماية لصورة الشعوب واحترام للذوق العام. مواقف كهذه تعيد التذكير بأن الحرية لا تعني الفوضى، وأن المسؤولية المجتمعية واجب مشترك.

والحقيقة أن المرأة البحرينية، والمرأة الخليجية عموماً، لم تكن بحاجة يوماً لأضواء مصطنعة؛ فهي ضوء في حد ذاتها. والبلدان التي ترفع اسمها عالياً لا تستحق أن يجرحها اندفاع فردي أو تصرف لا يليق بتاريخها.

وقد جاء في القرآن الكريم:«وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى»، «فاطر: 18»، لكننا اليوم بأفعالنا نجعل الآخرين يحملون وزر أخطائنا، وندفع مجتمعاً كاملاً إلى الدفاع عنا بسبب تصرف فردي لا يليق. ولعل ما قاله سقراط قبل قرون يلخص الحقيقة ذاتها «لا تفسد سمعتك بأفعال لا تشبهك، فالناس تحكم عليك بما تراه لا بما تعرفه عن نفسك».

في هذا المسرح الكبير، ليس المهم كم مرة صعدت إلى الضوء، بل كيف غادرت المشهد. قد تسافر وحدك، لكنك لا تخطئ وحدك، خطأ واحد قد يصفق له الغرباء لحظة، لكنه يترك وطنك يدفع ثمنه طويلاً. احفظوا صورتكم، فالجمهور لا ينسى، والذاكرة لا تمحو الأدوار الرديئة.