أسماء رجب

عمليات التكميم، حُقن خفض الشهية، والبدائل الجراحية لتعديل مسار السلوك الغذائي، هي وسائل مشروعة تُستخدم للحالات الضرورية التي ضاقت عليها سبل العافية. لكن ماذا يحدث عندما تتحول هذه الوسائل إلى «خيار أول» لتحقيق خسارة وزن سريع دون صبر، أو عندما يرفض الشباب انتظار التغيير الطبيعي عبر الجهد والمثابرة؟ إن هذا الاندفاع غير المحسوب نحو أدوات صحية كانت الأصل أن تُستخدم في أوضاع اضطرارية، بدأ يتجاوز حدود الطب ليدخل في عمق حكايتنا مع «الإرادة الإنسانية».

الذي يحدث أننا لا نُنقص من أوزاننا بقدر ما ننقص من قيمتنا الإنسانية الجوهرية، تلك الإرادة التي تُبنى شيئًا فشيئًا بالقرار، وتتقوّى بالمواجهة، وتُصقَل بالمثابرة، فحين نستسهل الحل، فإننا غالبًا نلغي الطريق، والطريق هو مدرسة الإرادة.

الإشكال الحقيقي ليس في الوسائل ذاتها، بل في تعاطينا النفسي معها. حين ننظر إليها كطريق مختصر يتجاوز المعاناة، ويُعفي من الألم، ويمنح نتيجة دون كلفة معنوية. نحن -من حيث لا نشعر- نُعيد برمجة وعينا على أن الهروب أفضل من المعالجة، والقصّ الجراحي أسرع من التدرّج السلوكي، والحقنة التي تُغيّر كيمياء الجسد أولى من التربية التي تُغيّر سلوك الإنسان مع نفسه.

تسرّب هذا النمط من التفكير -الذي يتسم بالتعلق بالمسكّن لا العلاج- إلى كل مناحي حياتنا، بل دخل في صميم أزماتنا الأسرية، والاجتماعية، والنفسية، فمثلاً: فكم من مشكلة زوجية تُحل بـ«طلاق سريع»؟ استسلاماً لمهرب سريع، وكم من مشاكل أبناء تُواجَه بالصراخ بدل الصبر على الاحتواء.

ما الذي يقف خلف هذا كله؟ إنه ميل جوهري نحو الحلول الأسرع، وتآكل في حاسة الإيمان بأثر المثابرة وطول النفس، وهبوط وتيرة التفكير العميق لصالح انفعالات سطحية تنتج قراراً سريعاً، لكنه في الحقيقة عشوائي لا واعٍ. ففي عصر اجتماعي يتغذّى على المقاطع القصيرة، والنتائج السريعة، والمكافآت اللحظية، يتم استنزاف أهم مورد نملكه (الإرادة)، تلك الطاقة الإنسانية التي تجعل الإنسان قادراً على أن يقول «لا» لإغراء الراحة، والتريث حين يستفزّه التسرّع، والصبر على إعمال العقل من أجل اختيارٍ واعٍ.

ليست المشكلة إذًا في أدوات تكميم المعدة، ولا في دواء يضبط الشهية، بل في ترسيخ ذهنية ترى الألم شيئاً يجب التخلص منه بسرعة، لا شيئاً يُصقَل من خلاله الإنسان. وفي عمق هذه الذهنية تكمن خطورة على طريقة اتخاذ القرار، وعلى مصير اختياراتنا المستقبلية. فعندما نؤمن -دون وعي- أن كل مشكل يجب أن يُحلّ فوراً، فإننا سنكون أكثر عنفاً وهشاشة وأقل صبراً أمام تحدياتنا (ربما هذا يفسِّر ارتفاع حالات الطلاق، وتدهور علاقات الآباء بالأبناء). لسنا نريد التهويل، ولا ننقد اللجوء للحلول العلمية المبتكرة مطلقاً، ببساطة نحن نضع أصابعنا على جرح يتجاوز السمنة إلى خمول الإرادة، والغذاء إلى فقر العزيمة.

إن تكميم المعدة والإبر قد يُنقصان الوزن لكنهما قد يُنقصان حضور إرادتنا، والطلاق السريع بلا تبصر أقصر طرق تكرار الفشل مستقبلاً، والصراخ على الأبناء يدمر الاحترام المتبادل والصلة.

أخيراً، لماذا نصاب بهشاشة الإرادة؟ لأن الإرادة تنمو في رحم الصبر والوعي، ولا تُقاس بتغييرات سطحية خارجية، بل بعمق الصبر على ألم تغيير ما بأنفسنا، فإن تجنبنا مسارها ضيعنا قيمة الإنسان فينا.