أميرة صليبيخ

منذ وقت طويل، تخليّتُ عن الاهتمام برأي الآخرين عني.. أدركت أن آراءهم سواء كانت السلبية أو الإيجابية هي مثل ملابسهم: تخصهم وحدهم، وقد وجدت في هذه القناعة سلاماً داخلياً خفف عني عبء المحاولات المتكررة لإرضاء أشخاص -غالباً- لا يعنون لي شيئاً.

لكن ما زال هناك رأي يهمني جداً: رأي الحيوانات التي أنقذها وأهتم بها، تخّيلتُ لو أنها قادرة على الكلام، فماذا ستقول عني؟ أعتقد أنها لن تبدأ بالحديث عن الحب، بل عن الدهشة والحذر مني. فهي مثل كثير من البشر، لم تعتد أن يُحبّها أحد دون شروط أو مقابل.

فمثلاً بالنسبة للقطة «وضحى» التي كانت تخاف مني لأشهر طويلة وترفض الاقتراب، وكانت تأخذ قطعة صغيرة من الصحن وتهرب، في النهاية آمنت بي، وقدمت لي صغارها بعد الولادة وكأنها تريد أن تقول: «لستُ ودودة بطبعي ولا أثق بالبشر، ولكنك صرتي خياري الوحيد بين الحياة والموت».

أما «قماشة» وهي أشرس قطط الحي، دائماً ما تترك آثار مخالبها على يدي وكأن يدي وثيقة للجراح! لو كانت تستطيع الكلام لقالت: «كنت سكيناً حادة، لكنك في كل مرة تقدمين لي الطعام، كنتِ تقدمين أيضاً فرصة لأصدق أنني لست سيئة، وأني رغم شراستي فهناك من يحبني كما أنا».

قماشة تعلمت لغة أخرى غير العض والجرح، صارت تتودد إلي، وإن لم تعضني فهي على الأقل لم تعد تهرب مني أو تؤذيني.

أما «كافكا» القط الأسود الحنون، فقد وجدته يأكل العشب من الجوع، يبحث عن بعض الطعام وبعض الأمل، فقررت ألا أتركه يواجه قسوة العالم وحده، ربما يقول «أنت الوحيدة التي لم تخفي من سوادي، ورأيتني بقلبك لا بعينيك، ولم تستعيذي بالله مني كما يفعل البشر خوفاً من الجن!».

ثم هناك «كوكب» الكلبة الأم ذات الجراء الأربعة، وجدتها تنزف من عينها بعد أن تعرضت للضرب. مسحت دمها عن الرصيف، ومسحت دموعها، وجمعت أطفالها واحداً واحداً، وقلت لها أنا هنا، ربما تعتقد أنني أمها، ولن تنسى أبداً أنني كنت الوحيدة التي سمعت نباحها ذاك اليوم، وفهمت أنه نداء استغاثة، لا ضجيجاً مزعجاً.

لقد تعلمت من الحيوانات إنسانية لم أجدها عند كثير من البشر. معهم لا أحتاج أن أكون مثالية، يكفي أن أكون موجودة، أن أضع طبق الطعام، أمسح بيدي على رؤوسهم الممتلئة بحكايات لن تُروى أبداً ولكني أعرفها جيداً.

أنا لست بطلة خارقة، أنا إنسانة عادية في أعين البشر، ولكني أعلم تماماً أنني في عيون هذه الكائنات البريئة: الحياة!