في داخل كلٍّ منّا أحلامٌ تتراقص في خياله، تنتظر الفرصة لتتحقق. ولكن بيننا وبين هذه الأحلام، جدار اسمه «الخوف» لأننا نخاف من الفشل، من الرفض، من الطريق الطويل أو الشائك.. ونفضل الطريق السهل الآمن حتى نبقى معلقين في منطقة الراحة الوهمية، فيصبح هذا الخوف أكبر عائق في طريقنا نحو النمو والتقدم.
علم النفس يصف الخوف بأنه استجابة عاطفية أساسية وفطرية تثار بفعل خطر أو تهديد، سواء كان هذا التهديد حقيقياً ومباشراً أو متخيلاً ومستقبلياً. ولا يقتصر الخوف على كونه شعوراً داخلياً فحسب، بل هو آلية بقاء حيوية تدفع الكائن الحي للقيام باستجابة «القتال أو الهروب»، «Fight-or-Flight»، وهذه الاستجابات هي سلسلة من التغيرات الفسيولوجية والسلوكية التي تجهز الجسم للتعامل مع الموقف المهدد، مثل تسارع ضربات القلب، والتعرق، وتوتر العضلات، بهدف حماية هذا الكائن، ومساعدته على مواجهة الخطر. وهي ضرورية من أجل البقاء.لكن الخوف يصبح مُعيقاً عندما يمنعنا من تحقيق ما نصبو إليه من أحلام وتطلعات عن طريق الهروب بدلاً من المواجهة.
ويرى عالم النفس ألبرت إليس Albert Ellis أن كثيراً من مخاوفنا مبنية على أفكار لا عقلانية نسجها تفكيرنا بشكل لا شعوري يجب استبدالها بأفكار واقعية أكثر دعماً للنمو وحل المشكلات.
وفي دراسة نُشرت في مجلة اضطرابات القلق عام 2010، تبيّن أن الأشخاص الذين يواجهون مخاوفهم تدريجياً يحققون تحسناً واضحاً في أدائهم لأن ثقتهم بالنفس تزيد، ويستطيعون تحقيق أهدافهم مقارنة بمن يتجنبون مخاوفهم، أو يهربون منها.
وجدير بالذكر أن الناجحين لا يخلو طريقهم من الخوف، ولكنهم يختارون مواجهته بشجاعة، فيقول نيلسون مانديلا:«الشجاعة ليست غياب الخوف، بل الانتصار عليه».إن تجاوز الخوف لا يعني التخلص منه بالكامل، بل يعني التحرك رغم وجوده، والخروج من المنطقة الآمنة خطوة بخطوة، مما يزيد من القدرة على الإنجاز، ويكسر وهم العجز.ابدأ بخطوة صغيرة. جرّب، حتى لو ارتجفت. عقلك قد يهمس: «ماذا لو فشلت؟»، لكن أجب: «وماذا لو نجحت؟».أعرف صديقة كانت تشعر بالخوف من مواجهة الجمهور، وخاصة أن مهنتها التي تحبها كانت تتطلب ذلك، وكان وراء ذلك إعاقة سمعية تعاني منها تجعل التفاعل مع الجمهور تحدياً صعباً. ولكنها صممت على مواجهة هذا التحدي بالعزيمة والإصرار، وعن طريق بذل الجهد المضاعف، واستخدام استراتيجيات ذكية، فحققت جميع طموحاتها، وتغلبت على خوفها، وتفوقت على نفسها.وفي الختام. إن المعجزات لا تُصنع بالخوف، بل تُولد من قلب الحالمين الذين آمنوا بأنهم قادرون على تجاوزه، لأن ما ينتظرهم مستقبلاً يستحق المحاولة والمثابرة والمواجهة مهما كانت صعبة.
* أستاذة جامعية في علم النفس