م. صبا العصفور

كثيراً ما تتردد عبارات جارحة في الفضاء العام، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي من قبيل: « إذا كنت فقيراً، فلماذا تُنجب أطفالاً؟». تبدو هذه العبارة في ظاهرها دعوة للمسؤولية، لكنها في جوهرها تحمل نظرة قاصرة، تضع الفقر في موضع الجريمة، وتحصر حقّ الإنجاب في الطبقات الميسورة فقط.

وكأن مَنْ لا يملك دخلاً كافياً، لا يحقّ له أن يحلم بأن يكون أباً أو أماً، أو أن يذوق فرحة تكوين أسرة!

هذه الرؤية تفتقر إلى العدالة، لأنها تنقل عبء الأزمات الاقتصادية من المؤسسات إلى الأفراد، وتحديداً إلى الفقراء منهم، فتحاسبهم على اختياراتهم الشخصية، بدل مساءلة النظام الاقتصادي العالمي الذي أنتج هذا التفاوت.

وفقاً لتقارير البنك الدولي، يعيش حوالي 8.5% من سكان العالم في فقر مدقع، أي بأقل من 2.15 دولار يومياً. وإذا ما رفعنا هذا المعيار إلى 6.85 دولار يومياً وهو خط الفقر المستخدم للدول ذات الدخل المتوسط، فإن ما يقارب من 44% من سكان العالم يُصنّفون ضمن دائرة الفقر، وتلك الأرقام الصادمة لا تعني أن نصف البشرية اختارت الفقر، بل تعني أن هناك خللاً في توزيع الموارد والفرص.

وعِوضاً من إلقاء اللّوم على الفقراء لاختياراتهم، فإن الأولى هو السعي لتعديل السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وضبط الأنظمة التي تؤدي إلى تركّز الثروة في يد فئة قليلة، بينما يُترك الملايين في دوائر العوز والحرمان.

ليس الإنجاب هو ما يُفقر الناس، بل إنّ الفقر هو نتيجة غياب العدالة في توزيع الدخل والخدمات والفرص، ولطالما كان الفقر في مراحل من التاريخ البشري هو القاعدة لا الاستثناء، ومع ذلك حافظت المجتمعات على ترابطها، وعلى مفهوم التكافل، وكان الأبناء يولدون في بيوت بسيطة، لكن تحيط بهم المحبة والقناعة والرضا.

العيب ليس في الفقر ولا في الإنجاب، وإنما في ربط قيمة الإنسان بما يملكه لا بما هو عليه من خلق ومروءة، بل إن كثيراً مِمَنْ يُربّون أبناءهم بالحب والحنان والعطاء، يقدمون ما هو أنبل وأعمق من أولئك الذين يوفرون لأبنائهم كل متطلبات الرفاه، وهم بذلك يفتقدون الحضور الإنساني والدفء العاطفي.

واستخلاصاً لما سبق، فإنّ الإنجاب ليس رفاهية طبقية تُمنح لمن يملك المال، بل هو حق إنساني أصيل يجب أن يُصان ويُحترم، بعيداً عن منطق الاستعلاء الاجتماعي أو التصنيف الاقتصادي.