أسماء رجب
تفاعلكم مع مقالي السابق «لماذا نصاب بهشاشة الإرادة؟» أثرى وترك أثراً جميلاً في نفسي، فشكراً لمن اقتطع من وقته الثمين، وشاركني رأيه القيم. رسائلكم لوحة جميلة تعبر عن تنوع التجارب والمعاناة والألم الذي نمر به في الحياة، وكلها تؤكد أهمية الموضوع المطروح للنقاش.
بعضكم أشار إلى أن الحديث عن الإرادة والمثابرة قد يأتي من شخص لم يختبر معاناة الوزن الزائد، والبعض تساءل عن جدوى «التفلسف» في مواجهة مشكلة يمكن حلها عملياً وبسرعة، وبعضكم أشار إلى أنهم جربوا كل السبل التقليدية، ولم تُجدِ نفعاً، وأخيراً، كانت هناك إشارة إلى أن الإرادة الحقيقية تكمن في اختيار ما يحسن الحياة، حتى لو كان بحلول سريعة، وأن التركيز على «هشاشة الإرادة» ترف يتجاهل التعقيدات البيولوجية والنفسية الكامنة وراء السمنة.
اسمحوا لي أن أشارككم جانباً من تجربتي: نعم، لقد عانيت، وكانت معاناتي مبكرة، وفي عمر يصعب عليَّ فيه أن أدرك فيه معنى الإرادة الحقيقية، ولم يكن حينها «يوتيوب» ولا «إنستا» ولا «تيك توك» لأتعلم من تجارب الآخرين، وزني تمرد وشطح، وصار «85+» وأنا لم أتجاوز الرابعة عشر، خنق أنفاسي وأثقل خطواتي وبعثر أحلامي كمراهقة في مقتبل العمر تحلم بجسد ومظهر جميل.
هذا الألم، كان دافعي للحركة وبدء رحلة التغيير، جربت بلا معرفة، حتى أني لم أكن أعرف حتى كلمة حمية ولا الكربوهيدرات ولا أي تفصيل غذائي آخر، ولم تكن الوجبات الصحية متاحة لي، ولا يوجد من يشرف على نظامي الغذائي، كان عليَّ فقط أن أتحرر من رغبة الأكل بالتقليل، ثم اتباع نظام رياضي بسيط من خلال المشي اليومي لمسافات بسيطة بالقرب من المنزل. لم يكن طريقي سهلاً، فقد كنت -في كل لحظة-أحارب شعور الجوع القاهر بإرادتي، والإغراءات بالتجاهل والتصميم على المواصلة، هذه التجربة -بالرغم من بساطتها- كانت المجهر الذي رأيت في عدسته مخاضات نفسي، فأهدتني معرفة عميقة بحركة المشاعر والأفكار وصراعها في ذهني، حتى وصلت- وبعد رحلة معاناة ومقاومة- إلى النظام الغذائي الذي ناسبني، والذي التزمت فيه حتى اليوم، فلم يكن ذلك وليد صدفة، فالنتائج تأتي ثمرة مسارات طويلة من التزام بقرار ومثابرة.
فرص الإرادة التي تسوقها لنا الحياة كثيرة، فهناك قصص إرادة أكثر إلهاماً، فلو بحثتم قليلاً على المنصات ستجدون آلاف الفيديوهات لسرديات حقيقية ملهمة لأناس مروا بظروف صعبة، لكنهم استطاعوا «أن يغيروا ما بأنفسهم» بدءاً من أجسامهم، إلى كل تفصيل في حياتهم بفضل مزيج من الإرادة والصبر والوعي.
فهل كان طريقهم سهلاً؟ قطعاً كلا، هل تألموا؟ قطعاً نعم. الثابت أنهم عبروا طريقهم بإرادة للتحول وتشكيل نظرتهم لأنفسهم وللحياة. لقد غيروا أنماط تفكيرهم، وأعادوا هندسة سلوكياتهم، فأصبحوا نماذج يحتذى بها. هذه ليست مجرد حكايات، بل هي دروس حية في أن التغيير الحقيقي ينبع من الداخل، وأنه لا يوجد اختصار يغني عن المكابدة.
* استشاري زواجي وأسري