هالة الجودر

في زخم المشهد التربوي ووسط تشعبات الدور القيادي يواجه مديرو المدارس سيلاً لا ينتهي من المهام والمطالب والمواقف العاجلة، وقد يقعون في فخ الانشغال بالمهام اليومية والتفاصيل والإدارية على حساب الأهداف الكبرى وهنا تبرز أهمية «العمل وفق الأولويات» كمهارة قيادية محورية لا غنى عنها لكل مدير يسعى إلى إحداث فرق حقيقي داخل مدرسته.

القيادة بالأولويات لا تعني إنجاز المزيد من المهام، بل تعني إنجاز ما هو أكثر تأثيراً هي فن إدارة التركيز حيث يفرق القائد بين المهام العاجلة والمهمة بين ما يمكن تفويضه وما يجب أن يقوده بنفسه فمدير المدرسة الناجح لا يسير وفق جدول مزدحم فقط، بل وفق بوصلة واضحة توجهه نحو ما يصنع الفرق فعلياً في تعلم الطلبة وتحفيز المعلمين.

العمل وفق الأولويات يبدأ من وضوح الرؤية: ما الذي نسعى إلى تحقيقه كمدرسة؟ ما المخرجات التي نريد أن نحققها؟ عندما يملك القائد إجابة دقيقة عن هذه الأسئلة تصبح قراراته أكثر وعياً وتوزيع جهده أكثر عقلانية فالوقت والموارد طاقة محدودة، ومن الحكمة توجيهها نحو ما يحقق النتائج لا ما يملأ الجداول.

ومتى ما وضحت الرؤية أصبح القائد أكثر قدرة على تمييز ما يستحق التركيز وما يمكن تجاوزه، ومن يقود بالأولويات يدرك أن بعض المهام – رغم صغرها – لها أثر كبير.. كزيارة صفية أو محادثة تحفيزية مع معلم أو لقاء نوعي مع فريق التحسين والتطوير، بينما قد تستهلك بعض التفاصيل الإدارية وقتاً أطول، دون أن تترك أثراً واضحاً على بيئة التعلم وهنا تتجلى القيادة الواعية التي ترى بعين الأثر لا بعين الضجيج.

ولتطبيق هذا الفكر لا بد من أن يبني المدير نظاماً داخلياً يساعده على الفرز المستمر لما بين يديه من مهام من خلال مراجعة أسبوعية للمهام وربطها بأهداف المدرسة وتنظيم الوقت حول المساحات الأكثر تأثيراً «مثل: جودة عمليات التعليم والتعلم، تطوير الفريق، الجولات الميدانية المخطط لها» كما أن التحرر من المثالية الزائفة التي تدفع إلى محاولة إنجاز كل شيء حتى وإن لم يكن له أثر واضح أو قيمة مضافة حقيقية يعد ضرورة، إلى جانب بناء فريق يشارك المسؤولية؛ مما يحرر القائد من التفاصيل، ويمنحه مساحة للتفكير الاستراتيجي.

ويبرز جوهر هذا النوع من القيادة في قدرة المدير على التمييز بين ما ينسجم مع الأهداف وما يشتتها واتخاذ قرارات واعية بالتأجيل أو الاعتذار عما لا يخدم مسار التميز المدرسي فالقائد الفعال من يحمي وقت المدرسة وطاقتها من التشتت، كما أن القائد الذي يضع الأولويات نصب عينيه لا يتعامل مع كل المهام بنفس الوزن بل يعرف تماماً أين يجب أن يكون حضوره، ومتى ينبغي أن ينسحب ليتيح لفريقه النمو وتحمل المسؤولية ومن هنا، فإن ترسيخ ثقافة القيادة بالأولويات لا يكون بطريقة عشوائية، بل بممارسة واعية ومستمرة فهي لا تبنى في يوم، بل تتشكل مع كل قرار، وكل نظرة تحليلية لواقع المدرسة، فالمدير الذي يسير خلف كل صوت دون غربلة، ويفتح كل باب دون توجيه يجد نفسه غارقاً في ردود الفعل أكثر من الفعل الواعي، بينما من يتقن فن الأولويات يمنح فريقه وضوحاً في الاتجاه وثقة في المسار ولأن القيادة بالأولويات لا تكتمل دون إشراك الفريق، فإن القائد الواعي بأولوياته هو من يجعل فريقه شريكا في تلك الأولويات فحين يعي المعلم أن تحسين نواتج التعلم هو أولوية المدرسة وحين يدرك الجميع أن التنمية المهنية المستدامة هي استثمار حقيقي تتحول الأولويات من قرار فردي إلى ثقافة جماعية وهنا فقط تصبح المدرسة مؤسسة تعليمية قادرة ذاتياً على التحسين المستمر.

* مستشار في جودة التمييز للاستشارات التعليمية

هالة الجودر