رائد البصري

في عالم تتشابك فيه العلاقات، وتتقارب فيه المسافات، أصبحت الألقاب ظاهرة منتشرة بين الناس، أحياناً تحمل روح المزاح وأحياناً أخرى تكون وسيلة للتواصل. لكن للأسف، كثير منها يتحول إلى أداة للحكم غير العادل على الآخرين.

الألقاب ليست مجرد كلمات عابرة تُقال على سبيل الدعابة، بل هي رموز ومعانٍ قد تترك أثراً عميقاً في النفس، وتشكل صورة ذهنية يصعب تغييرها. وقد تحمل هذه الألقاب أبعاداً اجتماعية ونفسية، فتؤثر على العلاقات وتبني أو تهدم جسور التواصل بين الناس.

لقد نهانا الدين عن إطلاق الألقاب الجارحة، إذ قال تعالى: «ولا تَنابَزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان»، لما في ذلك من أثر سلبي على النفوس وتفكك الروابط.

ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت الألقاب تنتشر بسرعة البرق، وأحياناً دون إدراك لمدى خطورتها. فقد يطلق شخص لقباً مازحاً، لكنه يتحول لاحقاً إلى وصمة تلازم صاحبه، وتؤثر على سمعته وصورته أمام الآخرين. المشكلة لا تكمن فقط في الكلمة، بل في المعنى الذي ترسخه في الذاكرة، والصورة التي تصنعها في أذهان الناس. فكلمة واحدة قد ترفع من شأن إنسان، وأخرى قد تحطمه نفسياً ومعنوياً. إن إطلاق لقب سلبي على شخص ما، سواء كان «سميناً» أو «قصيراً» وذاك فيلسوفاً أو عبقرياً أو غيره، هو لا يستحقه وهذا بمثابة حكم ظالم يحمل في طياته إساءة غير مباشرة، وقد يخلق في المجتمع صراعاً دائماً بين أفراد يتبادلون التنابز، ما يزيد حدة الانقسامات، ويغذي السلوكيات السلبية. لذلك، نحن بحاجة إلى وعي أكبر في اختيار كلماتنا، وإلى أن نتجنب إطلاق الألقاب بشكل عشوائي، فالكلمة قد تكون جسراً للتقارب، أو معولاً للهدم.