أمل محمد أمين
منذ اللحظة الأولى التي يفتح فيها الطفل عينيه على العالم، يبدأ عقله الصغير في تشكيل صورة للحياة من خلال ما يراه ويسمعه ويعيشه. لكن تربية طفل يعرف أهدافه، ويمتلك القدرة على السعي وراء أحلامه، ليست مسألة حشو معلومات أو فرض خطط جاهزة، بل هي رحلة من التوجيه، والاكتشاف، والاحترام لفرديته.
الاختلاف سنة الحياة
كل إنسان يولد مختلفاً عن الآخر: في الميول، والقدرات، وحتى في طريقة التفكير. هناك من يجد شغفه في القيادة وصناعة القرار، وهناك من يزدهر في مجالات الإبداع، أو البحث العلمي، أو العمل بصمت خلف الكواليس. هذا التنوع ليس عيباً، بل هو ما يصنع توازن المجتمع. فكما نحتاج إلى قادة ملهمين، نحتاج أيضاً إلى أشخاص يديرون التفاصيل، ينجزون المهام، ويمنحون الاستقرار لبنية الحياة اليومية.
القادة والعاديون... ليس سباقاً للترتيب
القائد غالباً يمتلك رؤية واضحة، قدرة على التأثير، وتحملاً للمسؤولية، بينما الشخص الذي لا يسعى للقيادة قد يختار حياة أقل ضغوطاً وأكثر هدوءاً، ما يمنحه مساحة أوسع للإبداع الشخصي أو العيش وفق وتيرة تناسبه. الميزة الحقيقية ليست في المنصب، بل في أن يكون الإنسان في المكان الذي يشعر فيه بالرضا عن نفسه.
*الحلم الذي تغيّر*
أحياناً تفرض علينا الحياة أن نغير أحلامنا بما يتناسب مع واقعنا قد يحلم طفل بأن يصبح طبيباً، ويعمل بجد حتى يحقق حلمه، بينما يحلم آخر بأن يكون لاعب كرة قدم محترف. لكن أحياناً، تسير الحياة في اتجاه مختلف؛ فالإصابات أو الظروف قد تمنع تحقيق الحلم الأول. عندها، يكتشف الإنسان أن أمامه أبواباً أخرى، فيدرس مجالاً جديداً ويعمل في وظيفة مختلفة، وربما يكتشف شغفاً لم يكن يعرفه من قبل. المهم أن يدرك أن تغيير المسار لا يعني الفشل، بل قد يكون بداية لطريق آخر يمنحه السعادة والرضا.
كيف نزرع الوعي بالأهداف في الطفل؟
الاستماع إليه بصدق: بدل إملاء ما "ينبغي" أن يكون عليه، نسأله: ماذا تحب؟ ماذا يجعلك سعيداً؟
تعليمه مهارة التخطيط: أهدافه قد تكون صغيرة كبناء مجسم أو كبيرة كإتقان آلة موسيقية، المهم أن يتعلم تقسيمها إلى خطوات.
النموذج العملي: يرى الطفل كيف يضع والديه أو معلموه أهدافاً ويسعون لتحقيقها.
المرونة: أن يعرف أن الأهداف قد تتغير مع الزمن، وأن الفشل جزء طبيعي من التعلم.
*السعادة... الهدف الأسمى*
مهما كان الطريق الذي يختاره الإنسان، ومهما كان مستواه التعليمي أو المهني، تبقى السعادة معيار النجاح الحقيقي. فقد يكون عاملاً بسيطاً يعيش في هدوء وراحة ضمير، أسعد من مدير يملك كل شيء إلا راحة البال..
مما سبق يتضح لنا أن تربية طفل يعرف أهدافه تبدأ باحترام اختلافه، وتقديم الأدوات التي تساعده على اكتشاف ما يريد، مع غرس قناعة أن السعادة لا تأتي من تقليد الآخرين، بل من العيش وفق قيمه الخاصة. فالعالم لا يحتاج أن يكون الجميع قادة، بل يحتاج أن يكون كل شخص قائداً في حياته هو.