حنان الخلفان

حين بكت الأمهات على فَقد فلذات الأكباد، وحين علا صراخ الأطفال الذين حُرموا من حضن آبائهم وأمهاتهم في لحظة تهور، جاء قرار جلالة الملك المعظم كصوت الأب الرحيم، ليحوّل دموعهم إلى تشريع، وأحزانهم إلى قانون يحمي الأرواح. المرسوم بقانون رقم (30) لسنة 2025 لم يكن مجرد تعديلٍ في نصوص المرور، بل كان نبضاً إنسانياً من قلب ملكٍ أراد لأبنائه أن يعيشوا في طرقاتٍ آمنة بلا فواجع ولا دماء.

لا شيء أقسى على الروح من أن تتحول لحظة فرح إلى مأساة، كما حدث في حادث سار المروّع، الذي خطف أرواح أسرة بكاملها، وترك طفلتين بريئتين تواجهان الحياة وحدهما، يتيمتين بلا أبٍ ولا أم، في عمرٍ لا يعرف إلا لغة الحنان والدفء الأسري. تخيّل (وأنت تقرأ هذه السطور) أن تستيقظ طفلة كل صباح تبحث عن حضن أمها فلا تجده، وتنتظر قبلة الأب قبل المدرسة فلا تأتي، وتجلس في الصف الدراسي محاطة بزملائها بينما قلبها يتساءل: لماذا أنا بلا والدين؟ وكيف أعيش في دنيا اختطفت مني الأمان دفعة واحدة؟ وكم من بيت بحريني عاش هذا السيناريو المؤلم هذا العام، وكم من أمٍ تحولت ضحكتها إلى بكاءٍ مرير، وكم من أبٍ تحوّل حلمه بمستقبل أبنائه إلى شاهد قبرٍ بارد.

الأرقام وحدها تكفي لتُبين حجم الفاجعة: ففي مارس 2025 فقط، سجّلت البحرين أن 58٪ من الحوادث المرورية خلّفت إصابات بليغة، فيما بلغت الإصابات البسيطة 33٪، بينما انتهت 9٪ من هذه الحوادث بوفاة. وهذه النسب ليست مجرد بيانات جامدة، بل هي قصص إنسانية دامية، وراء كل رقم بيت مكلوم، وأبناء يتامى، وأحلام توقفت فجأة عند إشارة حمراء أو سرعة متهورة.

في مواجهة هذا الواقع المؤلم، جاء المرسوم بقانون رقم (30) لسنة 2025 بشأن تعديل بعض أحكام قانون المرور، الصادر عن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المعظم، حفظه الله ورعاه، ليكون درعاً واقياً، ورسالة أبوية حانية إلى كل بيت بحريني. رسالة تقول: «حياتكم غالية، وأرواحكم أمانة، ولن نسمح أن يعبث بها المستهترون».

التعديلات الجديدة ليست مجرد نصوص جامدة على ورق، بل هي صرخة ردعٍ في وجه كل متهور، ورسالة تحذير لكل سائق: فكّر ألف مرة قبل أن تضغط على دواسة السرعة، قبل أن تستهين بإشارة حمراء، أو قبل أن تقود تحت تأثير المسكر والمخدر. فقرارك في ثوانٍ قد يعني حياة أو موتاً، وقد يكتب لأسرة بأكملها نهاية مأساوية.

لكن، دعونا نكون واقعيين: القانون وحده لا يكفي. نحن ( كأفراد ومجتمع ) شركاء في هذه المسؤولية. الالتزام بالنظام المروري ليس خوفاً من الغرامة أو الحبس أو مصادرة المركبة، بل هو التزام أخلاقي أمام الله والوطن والإنسانية. كل واحد منّا يجب أن يتذكر أنه حين يقود سيارته، فهو يقود أمانة: حياة أطفاله في المقعد الخلفي، ومستقبل أسرته التي تنتظره، وأحلام أسر أخرى تشاركه الطريق.

وبصراحة.. إن الشكر والعرفان لجلالة الملك المعظم واجب علينا جميعاً، فالقانون الجديد ليس مجرد نصٍ نُطبّقه أو نهمله، بل هو عهد حياة. من يلتزم به يحفظ نفسه وأهله، ومن يستهتر يزرع موتاً في طرقاتنا. البحرين لا تحتمل مزيداً من الأيتام والثكالى، وما بين القانون وضمير السائق يتحدد المصير: إمّا وطن آمن، أو نزيف لا ينتهي.