د. سامح بدوي

يعيش الأطفال في عالمهم المليء بالحب والرعاية داخل المنزل، أو في الروضة، ويشعرون بمدى أهميتهم؛ يركضون ويلعبون ويصيحون دون قيود، فهذا الكيان هو مملكتهم. حتى وإن كانت الأم تتابع كل تصرفاتهم، إلا أنهم يعيشون حالة من البهجة والاستقرار طوال الوقت، ويعرفون ويدركون أن هذا البيت ملكٌ لهم، وتلك الروضة جزء من عالم الألعاب حولهم. فهم محاطون بالدعم والتوجيه الرقيق، في بيئات تمتلئ بأدوات الترفيه واللعب أكثر من أدوات التعلم، فهم ما زالوا في مرحلة ما قبل المدرسة، والتي تتراوح بين سن ٣ إلى ٥ سنوات.

وفي نهاية هذه المرحلة، ينتقل الطفل من الطفولة إلى بيئة التعلم المنظمة، وهنا تختفي معظم الصلاحيات التي يمتلكها؛ فلم يعد هو محور هذا العالم، بل وجد نفسه فجأة وسط مكان أكثر اتساعاً، يمتلئ بالمئات غيره من الأطفال، وفيه معلمون أكثر حزماً. وبدأ يسمع عبارات وكلمات للتوجيه ومطالبات طوال الوقت بالالتزام والانتباه، ينظر ويترقب.

وفي هذه المرحلة، يدخل عدد من الأطفال في حالة نفسية وانفعالية يُعرفها بعض التربويين بـ«صدمة المدرسة»، وفيها يعيش الطفل حالة من الاكتئاب والرفض، ويمتنع عن الذهاب أو دخول المدرسة، وتنتابه حالة من البكاء المتكرر والدائم، ويرافقها اضطرابات في النوم، والتمسك بالأم، وفقدان الشهية، وأعراض جسدية أخرى، وقلق.

ولهذه الحالة أسباب مختلفة، أهمها عدم وجود برامج تربوية تعمل على تهيئة الأطفال وتقبّلهم لفكرة الانفصال عن المنزل وبداية حياة جديدة. وهذه مسؤولية مشتركة بين الأسرة والروضات والمدارس؛ الأسرة التي يجب أن تهيّئ فكر أطفالها لتقبّل الانفصال عن البيت لساعات والذهاب إلى المدرسة التي تُعدّ جزءاً من حياتنا، هكذا تحدث الأم أطفالها. والروضات التي يجب أن تستهدف هذا الفصل في برامجها، وتدعم هذا التوجّه في تعاملاتها اليومية مع الأطفال، خاصة في مرحلة ما قبل المدرسة. وعلى المدارس أن تستقبل هؤلاء الأطفال في أسابيع تمهيدية يغلب عليها اللعب والهدايا والدخول المتدرّج إلى بيئة التعلم المختلفة، وتنظيم أنشطة للتعارف واللعب الجماعي، وتقديم الدعم النفسي للأطفال، لاجتياز هذه المرحلة بسلاسة، حتى يدخل الطفل هذا العالم بصورة إيجابية، ونقلّل من الآثار السلبية لمرحلة الصدمة وما بعدها، مثل عدم تقدير الذات، وصعوبة التعبير، والتفاعل الإيجابي مع الآخرين، والشعور بعدم الأمان، وقلة التركيز، والعدوانية تجاه الآخرين، واضطرابات أخرى كثيرة يمكن أن تحدث في سلوك الطفل وانتباهه.

لذلك، يحتاج هؤلاء الأطفال إلى دعم نفسي كبير خلال هذه المرحلة لتقليل تلك الآثار والانخراط في حياتهم التعليمية بصورة طبيعية.