حنان الخلفان

مع اقتراب بداية العام الدراسي، تنقلب بيوت كثيرة إلى ما يشبه الأسواق المصغّرة؛ قوائم متشابكة من احتياجات لا تنتهي، وميزانيات تعاد صياغتها مراراً وتكراراً، وعيون الآباء تراقب الأسعار كما لو كانت بورصة لا تعرف الاستقرار.

العودة إلى المدارس لم تعد مجرد لحظة فرح بأقلام جديدة ودفاتر ملوّنة، بل تحوّلت إلى موسم اقتصادي كامل، له أعباؤه وضغوطه وتبعاته.

الحقائب لم تعد مجرد وسيلة لحمل الكتب، بل أصبحت قطعة «ماركة» تتفاوت أسعارها كما تتفاوت مستويات الأسر. والدفاتر لم تعد أوراقاً عادية للكتابة، بل صارت تُسوّق بتصاميم براقة تجذب الطفل أكثر من مضمونها. وحتى الأقلام، التي كان يُنظر إليها كأبسط أدوات العلم، غدت إكسسوارات تُقاس قيمتها بالثمن لا بالجدوى. وهكذا، ينشأ جيل يرى أن التميز في المدرسة يبدأ من الغلاف قبل أن يصل إلى المضمون.

ومع نزول الرواتب، تكتظ المجمعات التجارية بالمشترين، وتنتعش المحلات بعروضها المبهرة، وكأن الموسم الدراسي تحوّل إلى مهرجان اقتصادي أكثر من كونه استعداداً معرفياً. ازدحام العربات والرفوف لا يُخفي حقيقة أن وراء كل عملية شراء حسابات دقيقة وقلقاً من فواتير تتوالى.

لكن الأزمة أعمق من مجرد أدوات وقرطاسية؛ هناك زي مدرسي يتجدد كل عام، رسوم نقل، دروس تقوية، رحلات وأنشطة، بل وحتى «مصاريف خفية» تظهر فجأة لتثقل كاهل الأسرة. وتشير التقديرات إلى أن متوسط ما تنفقه الأسرة البحرينية على تجهيز الطالب الواحد مع بداية العام الدراسي يقارب 100 دينار، دون احتساب رسوم المواصلات أو الدروس الخصوصية، وهو مبلغ يبدو بسيطًا على الورق لكنه يصبح عبئاً ثقيلاً حين يتضاعف بعدد الأبناء داخل البيت.

المؤلم أن انعكاس هذه الضغوط لا يقف عند الأهل فقط، بل يمتد إلى الطالب ذاته. حين يرى زميله يحمل حقيبة فاخرة وهو لا يملك مثلها، أو يتابع أصدقاءه يقتنون أدوات جديدة بينما أدواته مستعملة، يتولد بداخله شعور بالفرق الاجتماعي، وكأن القيمة العلمية باتت مرتبطة بالمظاهر لا بالجهد والاجتهاد. وهذا بحد ذاته خطر يهدد تكافؤ الفرص داخل الصفوف الدراسية.

إن الحل لا يكمن فقط في جيوب أولياء الأمور، بل في وعي جماعي أشمل. أولاً: على الأسرة أن تتعامل مع الموسم الدراسي بعقلانية، فتضع خطة مالية مسبقة تحدد فيها الضروري وما يمكن تأجيله، وأن تعلّم أبناءها قاعدة مهمة: القيمة ليست فيما نملك بل فيما نصنع من معرفة. ثانياً: على المجتمع أن يفعّل مبادرات تضامنية، مثل حملات تبادل الزي المدرسي أو التبرع بالقرطاسية، لتخفيف الفجوة بين الطلاب. ثالثاً: على المؤسسات التعليمية أن تعي أن رسالتها تتجاوز الجدران الصفية، فهي مسؤولة أيضاً عن بناء وعي استهلاكي رشيد يجنّب الأسرة هذه الدائرة المرهقة.

وبصراحة.. المدرسة يجب أن تظل بيتاً للعلم قبل أن تكون سوقاً مفتوحة، وساحةً للمعرفة قبل أن تصبح ساحة للمقارنات. والطالب الذي يحمل قلماً عادياً يمكن أن يكتب به المستقبل، تماماً كما يفعل زميله الذي يقتني أغلى الأدوات. فالمعيار الحقيقي ليس في الحقيبة التي نحملها، بل في العقول التي نملأها، ولا في الدفاتر التي نشتريها، بل في الأحلام التي نخطها فوق صفحاتها.