يُعدّ كهرمان البلطيق، الذي يتراوح عمره بين 34 و38 مليون سنة، من أهم المواد التي يدرسها علماء الحفريات. فقد حفظت هذه الصخور آلاف الأنواع من المفصليات القديمة، بينها أكثر من 190 نوعاً من النمل، أي ما يقارب ربع جميع الأنواع الأحفورية المعروفة لهذه الحشرات. دراسة هذه الكائنات تتيح للعلماء إعادة بناء النظم البيئية القديمة وفهم مسارات التطور، كما تكشف أسباب انقراض بعض المجموعات وازدهار أخرى.

اكتشاف فريد في كالينينغراد

في عام 2024، اكتشف فريق من جامعة سانت بطرسبرغ الحكومية نملة مجنحة جديدة في منطقة كالينينغراد، أطلقوا عليها اسم «إريدانوميرما أونيبيتروبوليتانا» تكريماً للجامعة. قال الباحث دميتري دوبوفيكوف إن الاكتشاف يمثل لغزاً حقيقياً، إذ يتميز بسمات مورفولوجية غير مسبوقة بين الأنواع الحديثة أو الأحفورية.

تشريح غير مألوف

تنتمي النملة الجديدة إلى الفصيلة الفرعية «نملاوات أحادية الخصر»، لكن تشريحها أظهر خصائص فريدة. على الحافة الأمامية من الشفة العلوية وُجد نموّان يشبهان القرون، وهي سمة لم تُلاحظ إلا في "نمل الجحيم" الطباشيري. كما كانت فكوكها ضيقة وحادة، أقرب إلى تلك الخاصة بالدبابير المفترسة، ما يشير إلى قدرتها على الصيد والتخصص في ذلك. والأكثر غرابة هو غياب العيون البسيطة تماماً، وهي سمة تمتلكها عادة معظم إناث النمل المجنح للملاحة أثناء الطيران.

سلوك حياتي غامض

يقترح العلماء أن هذا النوع ربما عاش حياة سرية، إما كمفترس يختبئ في تجاويف النباتات أو التربة، أو كطفيلي اجتماعي يستولي على مستعمرات نمل أخرى. قد تكون الفكوك غير المألوفة أداة لقتل الفرائس أو حتى إناث النمل المنافسة. كما أن الجسم الممدود وضعف العيون يدعمان فرضية أنه نادراً ما كان يظهر على السطح.

أهمية الاكتشاف

يرجح أن هذه النملة احتلت مكانة بيئية ضيقة، ما يفسر ندرتها في السجل الأحفوري. ووفقاً للباحثين، فإن اكتشاف «إريدانوميرما أونيبيتروبوليتانا» لا يوسع فقط معرفتنا بتنوع النمل القديم، بل يدفعنا لإعادة النظر في فهمنا لتطور التطفل الاجتماعي لدى هذه الحشرات.

التبرع بالمكتشفات

تبرع علماء جامعة سانت بطرسبرغ بعينة النملة المكتشفة لمتحف الحفريات التابع للجامعة، إلى جانب نموذج مُكبّر مطبوع بتقنية ثلاثية الأبعاد، ما يتيح للباحثين والجمهور الاطلاع على هذا الاكتشاف النادر.